المؤمنين، إلى معاوية بن صخر، أما بعد، فإنك نَزَوتَ على هذا الأمر من غير سابقةٍ لك في الإسلام، ولا أثرٍ محمود في الدّين، فسفكتَ الدمَ الحرام، بقتل عثمان وأنت قتلته، وإني لأرجو أن أُلحِقَك به، وبلغني تَشفّيك بأمير المؤمنين، فإن الله اختار له دارَ أنبيائه، ومقرَّ أوليائه، وقد بايعني المهاجرون والأنصار وأشراف القبائل، وأنا سائر اليك بمئة ألف، قد بايعني منهم سبعون ألفًا -أو أربعون ألفًا- على الموت، حتى يَحكم الله بيني وبينك وهو خير الحاكمين.
وقال الواقدي: وأقام الحسن بالكوفة شهر شوال وذي القعدة، واجتمع إليه الرؤساء والأشراف وقالوا: سِر بنا إلى الشام.
وقيل: إنما أقام بالكوفة ستة أشهر، وقال له [قيس بن] سعد بن عُبادة: سِرْ بنا إلى قتال عدوِّنا، فنزل المدائن (١) بجيوشه، وبعث قيس بن سعد في مُقدّمته في اثني عشر ألفًا، وأقبل معاوية من الشام فنزل مَنْبج، وكتب إلى أشراف الكوفة، وبعث إليهم بالأموال، فخذلوا الحسن كما فعلوا بأبيه.
وسار قيس بن سعد حتى نزل بمَسْكِن على دُجَيل، والحسن نازل على المدائن في العسكر، فبينما الناس على هذا إذ نادى منادٍ: ألا إن قيس بن سعد قد قُتل، فانفروا فنَفروا، وكانت مَكيدة من معاوية، وهَجم جماعة على الحسن إلى سُرادِقه فنهبوا متاعَه، حتى نازعوه بِساطًا كان تحته، وطعنه رجل بمِشْقَص فأدماه، فذُعر منهم، ودخل المقصورة البيضاء التي بالمدائن.
والمِشْقَص -بالكسر- من النِّصال: ما طال وعرض.
قال هشام: وكان على المدائن من قِبل أمير المؤمنين سعدُ بنُ مسعود عمّ المختار بن أبي عُبيد، فقال له المختار وهو يومئذٍ غلام حدث: هل لك في أمرٍ تَسود به العرب،
(١) في (خ) و (ع): المدينة، وهو خطأ، والمثبت من طبقات ابن سعد ٦/ ٣٨١، والطبري ٥/ ١٥٩، وأنساب الأشراف ٢/ ٣٨١، والمنتظم ٥/ ١٦٦.