أحدها: أنها لو عوقبت في حالة الأكل قبل أن يأكل آدم لتوقَّف عن الأكل، فأخطأ علم الله فيه وإرادته وسره الخفي، فلما وافقها ظهر علم الله فيه.
والثاني: لأن حوَّاء كانت ضعيفة فلم تقدر على العقوبة ولم تحتملها، بخلاف آدم بها كان قويًّا.
والثالث: أنها عوقبت في ضمن عقوبة آدم بما يليق بها من الحيض والنِّفاس والولادة وترك الصلاة ونقصان الميراث والعدَّة، وبأنها لا تكون حاكمًا بين الناس، ولا تسافر إلا بوليٍّ، ولا تنعقد بها الجمعة والجماعات، وكونها عورة إلى غير ذلك.
فإن قيل: فآدم وحوَّاء اشتركا في المعصية فلمَ لم تذكر معه في التوبة؟ فالجواب من وجهين:
أحدهما: أنَّ العرب إذا كان فعل الاثنين واحدًا جاز أن يذكر أحدهما ويكون المعنى لهما، كقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ﴾ [التوبة: ٦٢] وكقوله: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا﴾ [التوبة: ٣٤] ونحو ذلك.
والثاني: فلأن النساء يدخلن في خطاب الرجال على وصف التبعيَّة، لأنهن تبع، فلهذا لم تذكر معه في التوبة، بل قال: ﴿فَتَابَ عَلَيهِ﴾ [البقرة: ٣٧]، وإن كانت هي السبب.
وقد قالت المعتزلة وجهم بن صفوان: إنَّ الجنَّة التي أُسكنها آدم إنما كانت بستانًا من بساتين الدنيا في جزيرة سَرَندِيب، ولهذا يسمَّى آدم السَّرنديبي، واحتجُّوا بقوله تعالى: ﴿وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ﴾ [الحجر: ٤٨] فمن دخلها يستحيل عليه الخروج منها، ولأنها دار راحة فلا يكون فيها ابتلاء ومحن.
ولنا: أنَّ الله ﷿ وصف الجنَّة التي أُخرج منها آدم بأوصاف لا تكون لبساتين الدنيا، على ما ذكرنا فيما تقدَّم، وأمَّا الآية، فآدم ما دخلها للثواب، ومن دخلها للثواب لا يخرج منها أبدًا. ألا ترى أنَّ رضوان وبقيَّة الخُزَّان يدخلونها ويخرجون منها؟ وقولهم: دار راحة، قلنا: ودار تكليف لإجماعنا على أنهم مكلَّفون بها بمعرفة الله تعالى.
قوله تعالى: ﴿وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ [البقرة: ٣٦] الهبوط: هو الحُدور من