للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فناداه الله: يا آدم أفرارًا مني؟ قال: لا يا ربِّ، بل حياء منك. فقال: يا آدم اخرج من جواري، فإنَّ من عصاني لا يجاورني في داري. فقال: يا ربّ، هل بعد هذا العتاب رضىً؟ قال: نعم، فقال: الحمد لله (١).

وقال الربيع بن أنس: امتنع من الخروج من الجنة، فجاءه جبريل فجذب بناصيته للإخراج، فقال: بالأمس تسجدُ لي واليوم تسحبُ بناصيتي؟ ارفق بي، فقال: لا أرفق بمن عصى الله.

وذكر في التوراة: قال الله تعالى: يا آدم أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها، قال: إنَّ المرأة أطعمتني، وقالت المرأة: إنَّ الحيَّة أطعمتني، يعني أن إبليس كان يخاطبها على لسان الحيَّة وهو قاعد على أنيابها. فقال الله للحيَّة: من أجل فعلك هذا أنت ملعونة، وعلى بطنك تمشين، وتأكلين التراب، وسأغري بينك وبين ولد المرأة فيطأ رأسك وتلدغين عقبه، وقال لآدم: اخرج من مشرق جنة عدن إلى الأرض التي أخذت منها. وقال الله لحوَّاء: أنت غررت الرجلَ، وعزَّتي لأعاقِبنَّك بالحيض والنفاس والولادة ونقصان الشهادة، لا تحملين إلا كرهًا، ولا تضعين إلا كرهًا، ثم مسخ الحيَّة إلى هذه الصورة.

وقال وهب: كان لباس آدم في الجنة الظفر يزداد كلَّ يوم جِدَّة وحسنًا، فلما أخرجه من الجنة ألبسه الجلود والصوف. وكان آدم أمرد، فعوقب بإنبات اللحية.

وقال أحمد بن حنبل: حدثنا عبد الرزاق بإسناده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "التَقَى آدم مُوسى، فقال له مُوسى: أنتَ آدمُ الذي أَشقَيتَ النَّاسَ وأخرَجتَهُم من الجنَّة؟ فقال له آدمُ: أنتَ مُوسى الذي اصطَفَاك اللهُ برسالتِه وكلامِه وأنزلَ عليكَ التَّوراةَ؟ قال: نعم، قال: أَتلُومُني على أمر كانَ قد كُتبَ عليَّ قبلَ أنْ أفعَلَه، أو: قَبلَ أنْ أُخلَقَ؟ قال: فَحَجَّ آدمُ موسى" مرَّتين. أخرجاه في "الصحيحين" (٢).

فإن قيل: فلم لم تعاقب حوَّاء قبل آدم عند الأكل؟ فالجواب من وجوه:


(١) أخرجه الطبري في "تاريخه" ١/ ١٠٩، وانظر "تاريخ دمشق" ٥٦/ ٣١٨.
(٢) أخرجه أحمد في "مسنده" (٧٣٨٧)، والبخاري (٣٤٠٩)، ومسلم (٢٦٥٢).