للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: فوقعَتْ كلمتُه منّي موقعًا ظَنَنْتُ أَنَّ الأَمرَ سيصير إلى ما قال، وأَرَدْتُ الإسلامَ، فزَبَرَني قومي زَبْرًا شديدًا.

فلما هاجر؛ خافَتْ قريشٌ منه أن يرجع عليهم، وجاء النفيرُ إلى بَدْرٍ، فخرجتُ مع قومي، وشهدتُ المشاهدَ كلَّها معهم.

فلما كان عامُ القضيَّةِ ودخل مكَّةَ؛ غَيَّر الله قلبي عمَّا كان عليه، ودخلَني الإسلام، وجعلتُ أُفكِّرُ فيما نعبدُ من حجرٍ لا يضرُّ ولا ينفع، ولا يسمع ولا يُبصر، وأَنظرُ إلى ظَلَفِ (١) رسولِ الله وأصحابِه عن الدنيا، فيقعُ ذلك مني، فأقولُ: ما عَمِل القومُ إلا على الثوابِ لِما يكون بعدَ الموت، وجعلتُ أُحبُّ النظر إلى رسول الله إلى أن رأَيتُه خارجًا من باب بني شيبة يُريد منزله بالأبطح، فأردتُ أن آتيَه، وأُسلِّمَ عليه، وآخُذَ بيده، فلم يُعْزَم لي على ذلك.

وانصرف رسولُ الله راجعًا إلى المدينة، ثم عُزم [لي] على الخروج إليه، فأدلجتُ إِلى بطن يَأْجَج (٢)، فألقى خالدَ بنَ الوليد، فاصطحبنا حتى نزلنا الهَدَّة (٣)، فما شَعَرْنا إلا بعمرو بن العاص، فانقمعنا منه، وانقمعَ منَّا (٤)، ثم قال: أَين يُريد الرجلان؟ فأخبرناه، فقال: وأنا أُريد الذي تريدان، فاصطحبنا حتى قَدِمنا المدينةَ على رسول الله ، فبايعتُه على الإسلام، وأقمتُ عنده حتى خرجتُ معه في غزاةِ الفتح ودخل مكة، فقال: "يا عثمان، ائتني بالمفتاح". فأَتيتُه به، فأَخذه مني، ثم دفعه إليَّ وقال: "خُذْها تالدةً خالدةً، لا ينزعها منكم إلا ظالم، يا عثمان، إنَّ الله استأمنكم على بيتِه، فكُلوا مِمَّا يصلُ إليكم من هذا البيت بالمعروفِ".


(١) الظَّلَف: شدة المعيشة.
(٢) في (خ): ناجح (والكلام فيها وحدها) وهو خطأ، والمثبت من "طبقات" ابن سعد ٥/ ١٧، و"تاريخ دمشق" ٤٥/ ٢٤٥ (طبعة مجمع دمشق، وما سلف بين حاصرتين منهما). قال ياقوت في "معجم البلدان": يأجج، بالهمزة وجيمين: علم مرتجل لاسم مكان من مكة على ثمانية أميال. وذكر قولين آخرين.
(٣) بتشديد الدال: هو موضع بين مكة والطائف، وبتخفيفها: موضع بأعلى مرّ الظهران. ينظر "معجم البلدان".
(٤) انقمع: تغيَّب ودخل وراء ستر.