للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحكى ابن سعد عن الواقدي عن أشياخه أن عَمرًا لما فتح الإسكندرية؛ سار في جُنْده يريد المغربَ حتى قَدِم بَرْقَةَ، فصالح أَهلها على الجزية، وهي ثلاثةَ عشرَ أَلف دينار، وأن يبيعوا مِن أَبنائهم ما أَحبُّوا في جزيتهم.

وبعث عقبةَ بنَ نافعٍ الفِهْريَّ حتى بلغ زَويلَةَ، وكتب إلى عمر بن الخطاب يُخبره أَنَّ ما بين بَرْقَة وزَوِيْلةَ سِلْمٌ، وأَنَّه وضع عليهم ما يُطيقونه، فصوَّب عُمرُ رَأْيَه.

قال الواقديُّ: وكان عمرو يحمل الطعامَ من مصر إلى المدينة في المراكبِ، فيخرج عمر ومعه الأكابرُ من الصحابةِ، فيقبضونه ويفرحون، ويقسمه عمرُ في الناس، ويكتب للذين حملوه بالصكاكِ، وكانوا يَرْسُون إِلى الجار، وهو المَرْفأ.

وبعث إليه مرَّةً عشرين مركبًا؛ في كلِّ مركبٍ ثلاثة آلاف إرْدَبّ.

وحكى ابن سعد عن الواقدي عن أشياخه قالوا (١): قَدِم عبد الله وعبد الرحمن ابنا عُمر بن الخطاب مِصْرَ غازِيينِ، وكان عُمر يكتبُ إلى عَمْرو: إِيّاك أَن يَقْدَمَ عليك أحدٌ من أهلِ بيتي فتَحْبُوه بأمرٍ لا تصنعه بغيره، فأفعلُ بك ما أَنْتَ أَهلُه. فما جَسَرَ عَمْرو يمضي إِليهما ولا يبعث إِليهما، قال عَمْرو: فواللهِ إِني لفي منزلي إذ أقبلَ عبد الرحمن بن عُمر وأبو سَرْوَعَة (٢) على البابِ يستأذنان! فأَذِنْتُ لهما، فدخلا وهما منكسران، فقالا: أَقِمْ علينا الحدَّ فإِنا قد أَصبنا البارحةَ شرابًا فسَكِرنا، قال: فطردتُهما، فقالا: لئن لم تفعل لنُخْبرنَّ عُمَرَ، وإذا بعبدِ الله بن عمر قد جاءَ، فقُمتُ إِليه ورحَّبْت به، فقال: ما أَتيتُك إلا عن أَمر، فإن أبي نهاني عن الإتيانِ إِليك، ولكن أَتيتُك لأَجلِ أخي، إنَّه لا يُحْلَقُ على رؤوسِ الناس، أَما الضرب فنعم، وكانوا يحلقون مع الحَدِّ.

قال: فضربتُهما الحدَّ، ودخل ابنُ عمر ناحيةً إلى بيت في الدارِ، فحلق رأْسَه ورأسَ أبي سَرْوَعة.

وإذا بكتابِ عمر يقول: من عبد الله أَميرِ المؤمنين إِلى العاصي بن العاصي، لقد عجبتُ من جرأتك عليَّ، ولقد خالفتُ فيك من أَهل بدر مَن هو خيرٌ منك، وما أُراني


(١) الخبر بنحوه في "الطبقات" ٥/ ٧١ - ٧٣. والكلام الذي قبله فيه ص ٧٠ - ٧١ بنحوه.
(٢) هو عقبة بن الحارث، أو أخوه. ينظر "أسد الغابة" ٤/ ٥٠، و"الإصابة" ١١/ ١٦٠.