للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلا عازلَك، تَضْرِبُ عبد الرحمن بنَ عمر في بيتك، وتَحْلِقُهُ في بيتك! وقد عَرَفْتَ أَن هذا يسوءُني؛ إِنَّما هو رجل من رعيتِك تفعل به ما تفعل برجل من رعيتك، ولكنك قُلْتَ: هو ولدُ أَميرِ المؤمنين. وقد عَرَفْتَ أَنه لا هَوادةَ لأَحدٍ من الناسِ عندي في حقٍّ يجبُ لله عليه، فإِذا جاءَك كتابي فابعثْ به في عباءةٍ على قَتَبٍ.

قال: فبعثتُ به كما قال أبوه، فدخل على عمرَ وهو لا يقدرُ على المشي من مَرْكبِه، فقال: عليَّ بالسِّياط، يا عبدَ الرحمن، فَعَلْتَ وفَعَلْتَ! فقال له عبد الرحمن بن عوف: قد أَقمتم عليه الحدَّ مرَّةً، فليس عليه ثانيةً! فلم يلتفت، وضربه الحدَّ وهو يصيحُ: أنا مريض وأَنْتَ قاتلي، فضربه الحدَّ ثانيًا وحبسه، فمرض فمات (١).

وقد ذكرنا طرفًا من هذا في أَولادِ عمر بن الخطاب، فكان عمرو بن العاص يقول: ما رأَيتُ أَخوفَ للهِ من عمر؛ لا يُبالي على مَنْ وقع الحقُّ، على والدٍ أَو ولد.

وحكى ابن سعد (٢) عن الواقديّ ما حكينا عن عمرو عند مقتل عثمان، وأَنَّ عثمان لَمَّا عزله عن مصر قَدِم المدينةَ، وجعل يَعيبُ على عثمانَ ويطعن عليه، وأن عثمانَ قال له: يا ابنَ النابغةِ، ما أسرعَ ما قَمِل فَرْوُكَ! أو: قَمِلَ جُرُبَّانُ جُبَّتِك (٣)! وإِنَّما عهدُك بالعملِ عن قريب، أَوَتَطْعَنُ عليَّ وتأتيني بوَجْهٍ، ثم تذهبُ عني بآخر؟! وأنَّه خرج إلى الشام، فنزل فلسطين بأرضٍ له يقال لها: السَّبْع، وأقام في قَصْر يقال له: العجلان، ولَمَّا أَتاه قتلُ عثمان قال: أَنا أَبو عبد الله، إذا حَكَكْتُ قَرْحةً نكَأْتُها. ومعناه أني قتلتُه بتحريضي عليه، ثم قال: أتربَّصُ أيامًا، وأنظر ما يصنع الناسُ، فأتاه الخبرُ بقتل طلحة والزبير، فأُرْتجَ عليه أَمرُهُ، وأَنه استشار ابنَيه: عبد الله ومحمدًا، ومولاه وَرْدان، وأَنه رجَّح المُضِيَّ إلى معاوية، وبايعه على قتال أَميرِ المؤمنين، وأَعطاه مصر طُعْمَةً، وحضر معه صِفِّين، وقاتل فيها وجُرِح فيها عِدَّة جراحات، وأَمرَ معاويةَ برفع المصاحف،


(١) لا يخفى ما في هذه القصة من نكارة ومبالغة، وهي من رواية الواقدي، وهو متروك، عن شيخه أسامة بن زيد بن أسلم العدوي، وهو ضعيف.
(٢) في "الطبقات" ٥/ ٧٣ - ٧٥.
(٣) جُرُبَّان القميص، بالكسر والضم: جيبه. القاموس (جرب).