للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما عاد الرجلُ سأله زيادٌ، فامتنع أن يُخبره، فلم يَدَعْهُ حتى أَخبره، فأَخبر بذلك زيادٌ معاويةَ، فقال معاويةُ لحاجبه: إذا جاء ابن عامرٍ فاضرب وجه دابتِه عن أقصى الأبواب. ففعل الحاجبُ ذلك، فأتى عامر يزيد بنَ معاوية، فشكا ذلك إليه، فقال: هل ذكرتَ زيادًا؟ قال: نعم. فجاء يزيدُ معه حتى أدخلَه على معاويةَ، فلما نظر إليه معاويةُ قام فدخل، فقال له يزيد: اجلسْ، فكم عسى أن يجلس في البيتِ مَجْلِسَه (١)، فلما أَطالا خرج معاويةُ وفي يده قضيبٌ يضربُ به الأبوابَ ويتمثَّلُ:

لنا سياقٌ ولكم سِياقُ … قد عَلمَت ذلكم (٢) الرِّفاقُ

فقعد وقال لابن عامر: أَنْتَ القائلُ في زيادٍ ما قُلْتَ؟! أَما والله إني لم أتكثَّرْ بزيادٍ من قِلَّةٍ، ولم أتعزَّزْ به من ذِلَّة، ولكني عرفتُ حقًّا لله، فوضعتُه موضعَه، فقال ابن عامر: فحينئذٍ نرجعُ إلى ما يحبُّ زياد. قال معاويةُ: فإِذَنْ نرجعُ إلى ما تُحِبُّ. فخرج ابن عامر إلى زياد فترضَّاه.

وروى الطبريُّ أيضًا عن أبي إسحاق قال (٣): لَمَّا قَدمَ زياد الكوفةَ قال: قد جئتُكم في أمر ما طلبتُه إلا لكم. قالوا: ادعُنا إلى ما شِئْتَ، قال: تُلحقون نسبي بمعاوية، قالوا: أَمَّا شهادة الزُّورِ فلا، فأَتى البصرةَ، فشهد له رَجُلٌ.

قلتُ: هذا صورةُ ما ذكر الطبريُّ، وما قام فيه.

وقد أتيتُ على أَقوالِ أرباب السِّيَر؛ فذكر البلاذريُّ (٤) أن معاويةَ لَمَّا بعثَ المغيرةَ بنَ شعبة إلى زياد وهو بقلعته وخدعه حتى قَدِمَ على معاوية وأصلح بينهما، وحمل إلى معاويةَ مالًا مبلغه ألفا ألف درهم، ولما فصل زيادٌ عن معاويةَ قاصدًا إلى الكوفة؛ لقيَ في طريقه مَصْقَلةَ بنَ هُبيرة الشيبانيّ، فقال له زياد: إلى أين يا أبا الفَضْل؟ قال: إلى معاوية، قال: هل لك في عشرة آلاف درهم مُعَجَّلة، ومثلِها مؤجَّلة، وتُلقي في سَمْعِ


(١) في "تاريخ" الطبري: فكم عسى أن تقعد في البيت عن مجلسه!.
(٢) في (خ): ذلك، والمثبت من "تاريخ" الصبري ٥/ ٢١٥.
(٣) تاريخ الطبري ٥/ ٢١٥.
(٤) في "أنساب الأشراف" ٤/ ٢١٦.