للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فرضي زياد وكتب كتابًا إلى معاوية بالرضى عنه، فلما دخل على معاوية قال له: أنشدني ما قُلْتَ في زياد، فأنشده الأبياتَ، فتبسَّم وقال: قبَّحَ اللهُ زيادًا ما أجهلَه! والله إن [قولك]: لأنت زيادةٌ في آل حربٍ، شرٌّ عليه من الأول، ولكنك خدعتَه فانخدعَ (١).

وقد اختلفوا في قائل الأبيات الأُوَلِ وهي:

ألا أبلغ معاوية بن حربٍ

فقال الأصمعي: هي لعبد الرحمن بن الحكم. وذكر صاحبُ "العِقْدِ" أَنها لعبد الرحمن بن حسَّان بن ثابت (٢). وقيل: ليزيد بن مُفَرِّغ، وسنذكرها في سنة تسعٍ وخمسين في هجاء ابن مُفَرِّغ لبني زياد.

وقال ابن عبد البَرِّ (٣): إنَّ معاويةَ لَمَّا ادَّعى زيادًا كان عبد الرحمن بن الحكم هذا حاضرًا، فقال لمعاويةَ: واللهِ لو لم تجد إلا الزِّنْج لاستكثَرْتَ بهم علينا، قلَّةً وذِلَّةً. فغضبَ معاوية وقال لمروان: أَخْرِجْ عنَّا هذا الخليعَ، فقال: والله إنَّه لَخليعٌ ما يُطاقُ، فقال معاوية: واللهِ لولا حلمي وتجاوزي لَعلمتُ أنه يُطاق أم لا (٤). أَليس هو القائل:

أَلا أَبْلِغْ معاويةَ بنَ حَرْبٍ

الأبيات

وحجَّ بالناس في هذه السنة معاوية.

وقال هشام بن محمد عن أبيه: لَمَّا حجَّ معاويةُ دخلَ المدينةَ، فصعد المنبر وقال: يا معاشِرَ بني قَيْلَةَ، أتطلبونَ ما عندي وقد فَلَلْتُم حَدِّي بصِفِّين حتى رأيتُ المنايا تتلظَّى من أسِنَّتِكم؟ ولقد هجوتموني بأشدَّ من وَخْز الأشافي (٥)، حتى إذا قام منّا ما حاولتُم مَيلَه قلتُم: اِرْعَ فينا وصيَّةَ رسول الله . هيهات هيهات! فناداه قيس بن سعد بن عُبادة،


(١) الأغاني ١٣/ ٢٦٥ - ٢٦٦، وما سلف بين حاصرتين مستفاد منه.
(٢) العقد الفريد ٦/ ١٣٢ - ١٣٣. ونسبه أيضًا في ٤/ ٣٣٧ لعبد الرحمن بن الحكم.
(٣) في "الاستيعاب " ص ٢٥٦ (ترجمة زياد بن أبي سفيان).
(٤) قوله: أم لا، ليس في "الاستيعاب".
(٥) جمع الإشْفَى، وهو مِخْرَزُ الإسكاف.