للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

روىَ عمر بن شَبَّة عن أشياخهِ قالوا: لَمَّا عزل معاويةُ عبدَ الله بنَ عامر عن البصرة؛ أراد أن يولِّيَها زيادًا، فولَّى الحارث بن عبد الله، وجعله كالفَرَسِ المحلِّل بين عامر وبين زياد (١)، فأقام الحارثُ أربعة أشهر ثم عزله، وولَّى زِيادًا وقد ذكرناه (٢).

ذِكْرُ السبب عن ولاية زيادٍ البصرة وما يتعلَّق بذلك:

قد اختلفت الرواياتُ فيه؛ فروى عمر بن شَبَّةَ عن بعضِ العلماءِ أنه قال: لما قَدِم زياد الكوفةَ نزلَ بدارِ سلمان بن ربيعة الباهليّ، فظنَّ المُغيرةُ بنُ شعبة أنَّه قَدِم واليًا على الكوفةِ، فأرسل إليه المغيرةُ وائلَ بنَ حُجْر الحَضرميَّ ليعلمَ عِلْمَهُ، فأتاه، فلم يَقْدِرْ من زيادٍ على شيءٍ، فخرج من عنده، وكان زاجرًا، فإذا غُراب يَنْعَقُ، فرجع إلى زياد فقال له: يا أبا المغيرةِ، هذا غرابٌ يَنْعَقُ يُرحِّلُكَ عن الكوفةِ، ثم عاد إلى المُغيرة وقد قَدِم رسولُ معاويةَ على زيادٍ يأمره أن يسيرَ إلى البصرة. وهذه رواية عمر بن شَبَّةَ (٣).

وقال مَعْبَد بن خالد الجَدَلي (٤): قَدِمَ علينا زيادٌ الكوفةَ، فأقامَ ينتظرُ إِذْنَ معاويةَ، فظنَّ المغيرةُ بن شعبة أن زيادًا ينتظر أن تجيئه إمارتُه على الكوفةِ، فأرسل إلى قَطَن بن عبد الله الحارثيِّ فقال: هل فيك من خيبر؟ قال: وما هو؟ قال: تكفيني أمرَ الكوفةِ حتى أخرجَ إلى الشام إلى معاوية. فامتنع، فاستخلف عُتَيبة بن نَهَّاس العِجْليِّ، وسار إلى معاوية، فلما دخل عليه سأله أن يعزله، وأن يقطعَ له منازل بقرقيسيا، فخاف معاويةُ بائقتَه وقال: واللهِ لترجعنَ إلى عملك يا أبا عبد الله، فأبى عليه، فلم يَزِدْه على ذلك إلا تُهمةً، فقال معاويةُ: واللهِ لترجعنَّ إلى عملك. فرجع، فطرق الكوفةَ ليلًا، وقرعَ باب القصر وهو يتمثَّلُ:

بمِثْلي فافزعي يا أُمَّ عمرٍو … إذا ما هاجني السَّفرُ البعيدُ (٥)


(١) الفرس المُحَلِّل: هو الفرس الثالث من فرس الرِّهَان، وذلك أن يضع الرجلان رَهْنَين بينَهما، ثم يأتي رجل سواهما، فيرسلُ معهما فرسَه ولا يضع رَهْنًا، فإن سبق أحدُ الأوَّلَين أخَذَ رَهْنَه ورَهْنَ صاحبه، وإن سَبَقَ المحلل ولم يسبق واحدٌ منهما أخذ الرَّهْنَين جميعًا. ينظر "لسان العرب" (سبق - حلل).
(٢) في أول سنة (٤٤).
(٣) تاريخ الطبري ٥/ ٢١٦.
(٤) في (خ): الجلدكي، وهو خطأ، والمثبت من " تاريخ" الطبري.
(٥) في "تاريخ" الطبري ٥/ ٢١٧: النَّعُور، بدل: البعيد.