للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال: اذهبوا إلى ابن سُميَّة فرحِّلوه حتى يُصبح من وراءِ الجِسْرِ. ففعلوا.

وقال عمر بن شَبَّة عن أشياخه: استعمل معاويةُ زيادًا على البصرة وخُراسان وسِجِسْتان، ثم جمع له الهند والبحرين وعُمان، فقَدِم البصرةَ في آخرِ شهر ربيع الآخِر - أو غُرَّة جُمادى الأُولى - في سنةِ خمس وأربعين، والفِسْقُ بالبصرةِ ظاهرٌ فاشٍ، فخطبهم.

ذكر خُطبته البتراء (١):

وهي خُطبةٌ طويلةٌ اختصرتُها.

وإنما سُمِّيت البتراء لأنَّه لم يحمد الله فيها، وإنما قال:

أما بعد؛ فإن الجهالةَ الجهلاء، والضلالةَ العمياء، والفجر المُوقِدَ لأهلهِ النارَ، الملهبَ عليهم سعيرَها هو ما يأتي سفهاؤكم، ويشتملُ عليه حكماؤكم، من الأمورِ العِظام التي يشبُّ (٢) فيها الصغير، ولا يتحاشى منها الكبير، كأن لم تقرؤوا كتابَ الله، ولم تسمعوا نبيَّ الله، ولم تعلموا ما أَعدَّ اللهُ من الثوابِ العظيم لأهل طاعته، والعذابِ الأليمِ لأهلِ معصيته، في الزمن السرمديّ الذي لا يزول. أتكونون كمن طرقَتْ عينَه الدنيا، وسَدَّت مسامعَه الشهواتُ، واختار الفانيةَ على الباقية، ولا تذكرون أنكم أحدثتُم في الإسلام الحَدَث الذي لم تُسْبَقوا إليه أمِن تَرْكِكُم، هذه المواخِيرَ المنصوبةَ ....

وذكر كلامًا طويلًا ثم قال: وإن هذا الأمرَ لا يصلح إلا بما صَلَح به أَوَّلُه؛ ليِنٌ في غيرِ ضعف، وشِدَّةٌ في غيرِ جَبْرِيَّةٍ وعُنْفٍ، وإني أُقسم باللهِ لآخُذَنَّ المُقيمَ بالظاعن، والمُقْبِل بالمُدْبِر، والصحيحَ بالسقيم، حتى يَلْقَى الرجلُ منكم أخاه فيقول: انْجُ سَعْد فقد هلك سُعيد، أو تستقيمَ لي قَناتكم. لا أُوتَى بفاعلٍ إلا سَفَكْتُ دَمَه، وإيّاكم ودعوى الجاهلية؛ فإني لا أجدُ أحدًا دعا بها إلا قطعتُ لِسانَه. وقد أحدثتُم أحداثًا لم تكن، وقد أحدَثْنا لكلِّ ذَنْبٍ عُقوبة؛ فمن سرق قتلناه (٣)، ومن غرَّقَ غَرَّقْناه، ومن حرَّق


(١) ينظر "تاريخ" الطبري ٥/ ٢١٨، والبيان والتبيين ٢/ ٦٢، و"الكامل " ٣/ ٤٤٧ وما سيرد بين حاصرتين منها.
(٢) في "تاريخ" الطبري ٥/ ٢١٨: ينبت.
(٣) قوله: فمن سرق قتلناه، لم أقف عليه في المصادر.