للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما أنتَ يا فاسق يا ابنَ اليهودي -يعني الوليدَ بنَ عقبة- فلا ألومُك في بُغْضِ أميرِ المؤمنين، فإنه قتلَ أباكَ صَبْرًا، وضربَ قَذالكَ، وأوجعَ ظَهْرَكَ؛ لَمَّا حدَّك في الخمر وصلَّيتَ بالناسِ صلاةَ الفجرِ أربعًا وقلتَ: أزيدُكُم؛ وسمَّاك الله فاسقًا، وسمَّى أميرَ المؤمنين مُؤْمنًا.

وأما أنتَ يا عُتْبَةُ، تتهدَّدُني بالقتلِ! هلّا قَتلْتَ الذي وجَدْتَه على فراشِك مُضاجعًا لعِرْسِكَ، ثم أمسكْتَها بعد ذلك حتى قال فيك نَصرُ بن حجَّاج:

نبئت عتبة ختانة (١) عرسه … لصداقة الهُذَليِّ من لحيانِ

ألفاه معْها في الفراشِ ولم يكن … فحلَّا فأمسك سرَّةَ النسوانِ

لا تعتبر يا عُتبَ نفسك حبّها … إنَّ النساءَ حبائلُ الشيطانِ

وأما أنت يا أعورُ -يعني المغيرة بن شعبة- فعليك بأُمّ جميل التي شاهدك معها أبو بكرة وزياد على الفاحشة، ولولا عنايةُ ابنِ الخطَّابِ بك؛ وإلا رُجِمْتَ كما رُجِمَ قبرُ أبي رِغال (٢).

وأما أنت يا معاويةُ، فواللهِ لا جمعني وإياك مجلسٌ بعد اليوم.

ثم قامَ ونفض ثيابه وخرج، فقال معاويةُ: أَلم أنهكم عنه؟ فواللهِ لقد أظلمَتْ عليَّ الدنيا، وليس فيكم خيرٌ بعد اليوم.

وقد ذكر طرفًا من هذه الحكايةِ صاحبُ "بيت العلوم" وقال: فلما قام الحسنُ قال معاويةُ: أَمرتكم أمرًا فلم تسمعوا له، وقلت لكم: لا تَبْعَثُنَّ إلى الحسن، أخاف عليكم طولَ لِسانهِ وبُعْدَ مَداه عند إِجْراره الرَّسَنَ:


(١) كذا في (م). وفي (خ): هباته، ولم يتبين لي. وجاء هذا الشطر في "جمهرة خطب العرب" ٢/ ٣٠: نبَّئت عتبة خانه في عِرْسهِ.
(٢) أبو رِغال: هو أبو ثَقِيف، وهو امرؤٌ من ثمود، وكان بالحرم حين أصاب قومه الصيحة، فلما خرج أصابَتْه النقمة التي أصابت قومه. قال الفيروز آبادي في "القاموس": وقول الجوهري: كان دليلًا للحبشة حين توجَّهوا إلى مكة، فمات في الطريق، غير جيّد. وكذا قول ابن سيده: كان عبدًا لشعيب وكان عشَارًا جائرًا ينظر "سنن" أبي داود (٣٠٨٨)، و"صحيح ابن حبان" (٦١٩٨).