للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البيعتين، وأنت وهؤلاء مشركون بمكة -أو بعُرُشِ مكة- وإِنَّه حزَّم على نَفْسِه الشهوات حتى أنزل الله فيه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المائدة: ٨٧] وأنت يا معاوية ممَّن قال فيه رسولُ الله : "اللهم لا تُشْبِعه"، وإنه لَقِيَكم يومَ بدرٍ وبيده لواءُ رسول الله وكان بيدك لواءُ الكُفَّارِ، وكُنتَ على رسولِ الله مع أبيك يومَ أُحدٍ، ويومَ الأحزابِ، والمشاهد كلّها، ولعن رسولُ الله أباك في سبعة مواطن، وكُنْتَ معه فيها، وولّاكَ عمرُ الشامَ فخُنْتَه، وولَّاك عثمان فتربَّصْتَ عليه، وكنت تنهى أباك عن الإسلام حتى قُلْتَ:

يا صخرُ لا تُسْلِمَنْ طوعًا فتفضحَنا … بعد الذين ببَدْرٍ أصبحوا مِزَقا

لا تركَنَنَّ إلى أمرٍ تُقَلِّدُنا … والراقصاتِ بنَعْمانٍ به الخَرَقَا (١)

ثم إنك وَثَبْتَ على هذا الأمر من غير مشورة من المهاجرين والأنصار، وأنت طليق ابن طليق.

وأما أنت يا عدوَّ الله يا ابنَ العاص، فكنتَ تهجو رسولَ الله ، وتُبالغُ في عداوته، وكُنْتَ عليه في مشاهدهِ كلِّها، وفيك وفي أبيك نزل قولُه تعالى: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣)(٢) [الكوثر: ٣]، ووُلدْتَ على فراشِ مشركٍ وقال : "الولد للفراش، وللعاهر الحَجَر"، وأنت القائل:

ولا أنثني عن بني هاشمٍ … بما السْطَعْتُ في الغيب والمَحْضَرِ

وعن عائب اللاتِ لا أنتهي … ولولا رضي اللاتِ لم نُمْطَرِ

وادَّعاكَ خمسةٌ، وغلب عليك أَلْأَمُهم وهو العاص، ثم ألَّبْتَ على عمِّي جعفر عند النجاشي بَغْيًّا على عَمِّي والمسلمين وبني هاشم، فهشم النجاشيُّ أَنْفَكَ، وأَسال دَمَكَ، وردَّك خائبًا خاسرًا، وما زِلْتَ عدوًّا لله ولرسولهِ ولبني هاشم، وأسلمتَ تستُّرًا بالإسلام، وقد بدا منك في نوبةِ صِفِّين وموافقتك لمعاوية وجَعْله لك مِصْرَ طُعمةً ما يدلُّ على نفاقِك وسوءِ باطنك.


(١) نَعْمَان: وادٍ وراء عَرَفة، والخَرَق: الحَمَاقة.
(٢) ذكر المفسرون أن الآية نزلت في العاص بن وائل، وقيل: في أبي جهل، وحاشا عَمرًا أن يكون قد نزل فيه ذلك. وهذا الكلام وما سبق قبله وما يأتي بعده من المبالغات دليل على وضع القصة على الحسن .