للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أبو اليقظان: اجتمع الحسنُ وابن الزُّبير وأبو معبد (١) بنُ عقيل بن أبي طالب عند معاوية، فقال معاويةُ: يا أبا محمد، أبوك أسنُّ أَم الزبيرُ؟ فقال الحسنُ: أبي، ويا قُرْبَ ما بَيْنَهما! فقال عبد الله بنُ الزُّبير: يرحم الله الزُّبير، فقال أبو معبد: يرحمُ الله أميرَ المؤمنين، فإِنه دعا إلى أَمرٍ كان فيه رَأسًا والزُّبير ذَنَبًا وتبَعًا للمرأة، فلما تراءى الفريقان نكص الزبير على عَقِبيه وولَّى مُدْبِرًا، فأَدركه مَنْ ضَرَبَ عُنُقَه، وأخذ سَلَبَهُ، وجاء برأْسِه، وقد استبان الحقُّ. فقال ابن الزُّبير. لو غيرك يا أبا معبد يقول هذا لَعَلِم، فقال له أبو معبد: أَعْرِبْ، فإنَّ الذي تُعَرِّضُ به ليَرْغَبُ عنك. يعني معاويةَ، لأنه كان يُبْغضُ ابنَ الزبير (٢).

وقال أبو اليقظان: اجتمع جماعة عند معاوية من أصحابه: الوليد بن عقبة، وعتبة بن أبي سفيان. وفي روايةٍ: وعمرو بن العاص، والمغيرةُ بن شعبة، وقالوا له: ابعث إلى الحسنِ لنوبِّخَه ونُبكِّتَه، فقال معاويةُ: إنَّها السنةُ بني هاشم، ولا طاقةَ لكم بهم، فألحُّوا عليه، فقال: لا تفعلوا، فإنه لا يقولُ شيئًا إلا صدَّقه الناس، ولا تقولون شيئًا إلَّا كذَّبكم الناس. فقالوا: لا بُدَّ. فأرسلَ إليه، فجاء فجلس، فقال معاويةُ: إنَّ هؤلاء طلبوا أن تحضرَ، فقال الحسنُ: هلّا آذنتموني حتى آتيَ بأعدادهم من بني هاشم؟ ولكني ما أستوحش، إنَّ الله يتولَّى الصالحين.

فقال عمرو بن العاص: إنَّ أباك أوَّلُ مَنْ أثار الفِتْنَةَ، وطلب المُلْكَ، فكيف رأيتَ اللهَ صنع به؟

وقال الوليد: يا بني هاشم، كُنتم أَصهارَ عثمان، فبغيتم عليه فقتلتموه، ولقد أردنا أن نقتلَ أباك به، فأقادَنا اللهُ منه، ولو قتلناكَ به لم يكن علينا لومٌ ولا تَبِعَة.

وقال عتبة بن أبي سفيان: إنَّ أباك بغى على عثمان، وألَّب عليه حسدًا منه له، وطلبًا للإِمارةِ، فسلبه الله إيَّاها.

وقال المغيرةُ كلامًا من هذا الجنسِ، ونال من أميرِ المؤمنين. فنَشَزَ الحسنُ والتفت إلى معاوية وقال: يا معاويةُ: أنتَ سلَّطْتَ هؤلاءِ الفَجَرةَ حتى أسمعوني هذا؟! إن [أبي] أميرُ المؤمنين، وابنُ عمِّ سيِّد الموسلين، وأوَّلُ من صلَّى إلى القِبلتين، وبايع


(١) في "العقد الفريد": ٤/ ١٤ (والخبر فيه بنحوه): سعيد.
(٢) المصدر السابق، ومن قوله: حكى الهيثم عن الأصمعي … إلى هذا الموضع، ليس في (م).