للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما كان زمانُ الوليد بن عبد الملك، وحجَّ؛ همَّ بذلك، فأرسل سعيد بن المسيّب إلى عمر بن عبد العزيز، فقال له: كلِّم صاحبَك فليتَّقِ اللهَ ولا يتعرَّض لسخطِه. فكلَّمه عمرُ فأَقْصَرَ.

فلما حجَّ سليمان بن عبد الملك أَخبره عمرُ بنُ عبد العزيز بما كان همَّ به الوليد وقولِ ابن المسيِّب، فقال سليمان: ما كنتُ أُحبُّ أن يُذكر هذا عن عبد الملك، ولا عَنِ الوليد، ما لَنا ولهذا؟ قد أخذنا الدنيا فهي في أيدينا؟ نَعْمَدُ إلى عَلَمٍ من أعلامِ الإسلام؛ فنحمله إلينا! هذا ممّا لا يليقُ ولا يصلح.

وقال الهيثم: وبقي المنبر على حاله حتى وصل الأمرُ إلى بني العباس، فردُّوه إلى ما كان عليه أولًا، فهو اليوم على ذلك.

وفيها عزل معاويةُ معاويةَ بنَ حُدَيج عن مصر، وولَّاها مَسْلَمةَ بنَ مُخَلَّد (١) مع إفريقية.

قال الواقدي: وكان معاويةُ بن أبي سفيان قد بعثَ قبل أن يولِّيَ مَسْلَمة بنَ مُخَلَّد مصرَ عقبةَ بن نافع الفِهْريَّ إلى إفريقية، فافتتحها، واختطَّ قَيروانَها، وكان موضعُه غَيضَةً لا تُرامُ من السِّباع والهوامّ والحيَّاتِ، فدعا عقبة بنُ نافع عليها، فلم يبق فيها شيءٌ إلّا وخرج منها هارِبًا حتى [إنّ] السِّباع كانت تحملُ أولادَها.

قال الواقدي: فحدَّثني موسى بن عُليّ، عن أبيه قال: نادى عقبة بنُ نافع: إنَّا نازلون فاظْعَنُوا. قال: فلقد رأيتُ الهوامَّ يخرجن من أجْحرتهنَّ هواربَ، أو هرابًا (٢).

قال الواقديّ: وحدثني المفضَّل بن فَضالة، عن زيد بن أبي حبيب، عن رجلٍ من جند مصر قال: قدمنا مع عقبة بن نافع، وهو أوَّل الناسِ اختطّ إفريقية (٣)، وأقطعَها مساكن، وبنى مسجدَها ودُورَها، وأقمنا معه حتى عُزِل، وكان خَيرَ والٍ، وخيرَ أمير (٤).


(١) وزن محمَّد، ينظر "توضيح المشتبه" ٨/ ٩١.
(٢) تاريخ الطبري ٥/ ٢٤٠ باختلاف يسير، وما سلف بين حاصرتين منه.
(٣) في (م): اختطاطًا بإفريقية.
(٤) تاريخ الطبري ٥/ ٢٤٠.