للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما دبَّتِ الكأسُ فيهم جعلتُ أُصْرِفُ لهم (١)، وأنزعُ الكأسَ فيشربون ولا يدرون، فأَهْمَدَتْهُم الكأسُ حتى ناموا ما يَعْقِلون، فوثبتُ إليهم فقتلتُهم جميعًا، وأخذْتُ جميع ما كان معهم، وقدمتُ المدينةَ على رسول الله ، فأَجِدُه جالسًا في المسجد مع أصحابه، فسلَّمتُ عليه بسلام الإسلام، فنظر إليَّ أبو بكر بنُ أبي قُحافة، وكان بي عارفًا، قال: ابنُ أخي عروةَ؟ قلتُ: نعم، جئت أشهدُ أن لا إله إلا الله، وأن محمَّدًا رسولُ الله. فقال رسول الله: "الحمدُ لله الذي هداكَ للإسلام". فقال أبو بكر: من مِصْرَ أَقبلت؟ قلتُ: نعم، قال: فما فعل المالكيون الذين كانوا معك؟ قلتُ: كان بيني وبينهم شيءٌ، أو بعضُ ما يكون بين العرب ونحنُ على دين الشِّرْك، فقتلتُهم وأخذتُ أسلابَهم، وجئتُ بها إلى رسول الله ليَخْمِسَها، أو يرى فيها رأيَه، فإنّما هي غَنيمةٌ من مشركين، وأنا مُسْلمٌ مُصَدِّقٌ بمحمّد . فقال رسول الله : "أما إسلامُك فأَقْبلُهُ، ولا آخُذ من أموالِهم شيئًا ولا أَخْمِسُه؛ لأن هذا غَدْرٌ، والغَدْرُ لا خَيرَ فيه".

قال: فأخذني ما قَرُبَ وما بَعُدَ وقلتُ: يا رسول الله، إنّما قتلتُهم وأنا على دينِ قومي، ثم أسلمتُ حيث دَخَلْتُ عليك الساعةَ؟! قال: "فإنَّ الإسلامَ يجبُّ ما قَبْلَهُ".

قال: وكان قد قتلَ منهم ثلاثةَ عَشَرَ إنسانًا، فبلغ ذلك ثقيفًا بالطائف، فتداعَوْا للقتال، ثُمَّ اصطلحوا على أن يحمل عني عروة بنُ مسعود ثلاثَ عشرة دِيَةً.

قال المغيرة: وأقمتُ مع رسول الله حتى اعتمرَ عُمْرَةَ الحُدَيبِية في ذي القَعْدة سنةَ ستّ من الهجرة، فكانت أوَّلَ سَفْرَةٍ خرجتُ معه فيها.

قال: وبعثَتْ إليه قُريش عمي عروةَ بنَ مسعود ليكلِّمَهُ، فأَتاه، فجعل يَمَسُّ لحيةَ رسول الله وأنا قائمٌ على رأسه بالسيف، فقلتُ لعروة: كُفَّ يَدَكَ قبل أن لا تَصِلَ إليك. فقال عروةُ: من هذا يا محمد؟ ما أفظَّه وأغلظَه! وكُنْتُ مُقَنَّعًا في الحديد، فقال رسولُ الله صلى الله عليه: ["هذا ابنُ أخيك المغيرةُ"]. فقال عروة: يا غُدَرُ، أَلستُ الساعي (٢) في غَدْرَتك، واللهِ ما غسلتُ عنك سَوْءَتَكَ إلا بالأمس.


(١) أي: أسقيهم الخمر صِرْفًا غير ممزوجة بالماء.
(٢) في (ب): أسعى.