للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال هشام: لَمّا نزل القومُ مرجَ عَذْراءَ -ويقال له: مَزج العَذْرا، وبينه وبين دمشق اثنا عشر ميلًا، وقد ذكره ابن سعد قال: فحملوهم إلى عذراء ليقتلوهم- فقال حُجْر: الحمد لله، أما واللهِ إِني لأَوَّلُ مُسْلمٍ نَبَحَتْه كلابُها (١) في سبيل الله، ثم يُؤتى بي اليومَ إليها مصفودًا!

ودفع معاويةُ كُلَّ رجلٍ إلى رجلٍ من أهلِ الشامِ ليقتلَه، ودفع حُجْرًا إلى رجلٍ من حِمْيَر، فقدَّمه ليقتلَه، فقال: دعوني أُصلِّي ركعتين. فتركوه، فتوضَّا وصلّى، فأطال، فقيل له: أَجَزِعت؟ فقال: واللهِ ما توضَّأتُ قَطُّ إلَّا صليتُ ركعتين، وما صلَّيتُ صلاةً قطُّ أخفَّ منها، ولئن جَزَعتُ؛ لقد رأَيتُ سيفًا مشهورًا، وكفنًا منشورًا، وقَبْرًا محفورًا.

وكانت عشائرُهم قد جاؤوهم بالأكْفان، وحفَروا لهم القبور -ويقال: إن معاوية بعثَ إليهم بالأكفان، وحفر لهم القُبور- فقال حُجْر: اللهم إنَّا نستعديك (٢) على أُمَّتِنا، فإنَّ أهلَ العراق شهدوا علينا، وأهل الشام قتلُونا.

وقيل لحُجْر: مُدَّ عُنُقَك. فقال: إنَّ ذلك لَدَمٌ ما كُنْتُ لِأُعينَ عليه. فضُربت عُنُقُه.

وكان معاويةُ قد بعثَ رجلًا أعور من بني سلامان بن سعد يُقال له: هُدْبة بن فيّاض، فنظر إليه رجلٌ [منهم] من خثعم (٣)، فتطيَّرَ من عَوْرَتِه وقال: إن صَدَقَتِ الطير، قُتِلَ نِصْفُنا، ونجا نِصْفُنا، فكان كما قال: قُتِلَ سبعة، ونجا ستة [أو قُتل ستة، ونجا سبعة] (٤) وكانوا ثلاثةَ عَشَر رَجُلًا (٥).

ولَمّا قُتِلَ سبعة أَردفَ معاويةُ برسولٍ بعافيتهم جميعًا، فوجدهم قد قتلوا مَنْ ذكرنا (٦).

وقال حُجْر: ادفنوني في ثيابي، فإني أُبعثُ مخاصمًا.


(١) في "الطبقات" ٨/ ٣٣٩: نبَّحَ كلابَها.
(٢) في (ب) و (خ): تستعيذ بك، والمثبت من "طبقات" ابن سعد ٨/ ٣٣٩.
(٣) هو كريم بن عفيف الخثعمي، وسلف ذكره في أصحاب حُجر الاثني عشر.
(٤) ما بين حاصرتين من (ب)، وهو كذلك في "طبقات" ابن سعد ٨/ ٣٣٩.
(٥) كذا في "الطبقات" وفي "تاريخ" الطبري ٥/ ٢٧١ - ٢٧٢ أنهم أربعة عشر، وسلف التعليق على هذا.
(٦) سلف الكلام قريبًا في رواية أبي مِخْنَف أن ستةً من أصحاب حُجْر قد شفع فيهم أصحابُهم، وأن معاوية قبل شفاعتهم فيهم، ووهبهم لهم.