للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا الذي ذكرنا من قولِ حُجْر لَمّا نزل مرجَ عَذْراء؛ قال: الحمد لله، إلى ها هنا من كلام ابن سعد.

وقد ذكر أبو مِخْنَف القِصَّة عن أشياخه أتمَّ من هذا، فقال (١): بعث معاويةُ هدبَةَ بنَ فياض من بني سَلامان، والحسينَ (٢) بن عبد الله الكلابي، وأبا شريفٍ البَدِّيَّ إلى حُجْر وأَصحابِه، فأتَوْهُم عند المساءِ، فلما رأى كريمُ بنُ عَفيف الخثعميُّ الأَعوَرَ مُقْبلًا قال: يُقْتَلُ نصفُنا، وينجو نِصْفُنا. فقالمالهم رسولُ معاوية: قد أُمِرنا بقتلِ ثمانية (٣) وتَخْلية سِتَّة، وقد أُمِرنا أن نَعْرِضَ عليكم البراءةَ من أبي تُراب واللَّعنَ له، فإن فعلتُم تركناكم، وإن أبيتُم قتلناكم، وإنَّ معاويةَ يزعمُ أنَّ دماءَكم قد حلَّت له بشهادةِ أهلِ مصرِكم عليكم، غير أنَّه قد عفا عن ذلك، فتبرَّؤوا من هذا الرجلِ نُخلِّ سبيلَكم. فقالوا: لسنا بفاعلين، فاصنعُوا ما بَدَا لكم.

فأَمَرُوا بحفرِ قُبورِهم، وأُدنِيَتْ إليهم أكفانُهم، وقاموا الليل كلَّه يُصلُّون ويدعُون.

فلما أصبحوا قال لهم أصحابُ معاوية: قد رأيناكم البارحة أطلتُم الصلاةَ وأحسنتُم الدعاء، فأخبِرونا ما رأيكُم في عثمان؟ فقالوا: هو أوَّلُ مَنْ جارَ في الحكم، وبدَّل معالم الدِّين، وعَمِلَ بغير الحقِّ. فقال أصحاب معاوية: أمير المؤمنين كان أعلمَ بكم. فقالوا: تبرَّؤوا من أبي تُراب. فقالوا: بل نتوَلّاه ونتبرّأُ مِمَن يتبرَّأُ منه.

قال أبو مِخْنَف (٤): إن رجلين من أصحاب حُجْر قال لهم: أَرسِلُوا بنا إلى معاوية لنقولَ مثلَ قولِه، وهما عبد الرحمن بن حسَّان العَنَزيُّ وكريم بن عفيف الخَثْعميُّ، فأرسلوهما إليه، فلما دخلا عليه؛ قالماله الخَثْعمي: الله الله يا معاويةُ في دمائِنا، فإنَّك منقولٌ عن هذه الدارِ الفانيةِ إلى الدارِ الباقية، مسؤول عنا وعن دمائِنا. فقال له معاويةُ: ما تقول في أبي تُراب؟ قال: أَقولُ ما تقولُ. فقال: تبرَّأ منه. قال: أتبرَّأُ من الدينِ الذي كان يَدِينُ به؟ فكره معاويةُ أن يُجيبه بشيء. فسكت.


(١) تاريخ الطبري ٥/ ٢٧٤ - ٢٧٥.
(٢) في "تاريخ" الطبري ٥/ ٢٧٤، و"الكامل" ٣/ ٤٨٥: الحصين.
(٣) في النسختين (ب) و (خ): ستة، بدل: ثمانية، والمثبت من "تاريخ" الطبري ٥/ ٢٧٥، والخبر فيه، فقد ذكر في موضع قبله أنهم أربعةَ عشرَ، وسلفت الإشارة إلى هذا.
(٤) تاريخ الطبري ٥/ ٢٧٦.