للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يومئذٍ إلَّا أخواتهم وأمُّهم حوَّاء.

فلمَّا ولدت قابيل وتوأمته وهابيل وتوأمته وبينهما سنتان -وقيل: خمس سنين- وقابيل أكبر، فلمَّا بلغا، أَمرَ الله آدمَ أن ينكح قابيل ليوذا أخت هابيل، وينكح هابيل إقليما أخت قابيل، وكانت أخت قابيل من أجمل النِّساء وأحسنهنَّ. فقال قابيل: لا أفعل وأنا أحقُّ بأختي، وُلدت معي في بطن واحد، ونحن من أولاد الجنَّة، وهابيل وأخته من أولاد الأرض.

فقال آدم: فقرِّبا قربانًا فأيُّكما تُقبل قربانه فهو أحقُّ بها.

ومعنى قول قابيل نحن من أولاد الجنة: ما حكينا عن ابن إسحاق عن بعض أهل الكتاب الأوَّل: أنَّ آدم كان يغشى حوَّاء في الجنَّة قبل أن يصيب الخطيئة، فحملت بقابيل وتوأمته، ولم تجد وحمًا ولا وصبًا ولا طلقًا ولا دمًا لطهارة الجنَّة، فلمَّا أهبطا إلى الأرض تغشَّاها فحملت بهابيل وتوأمته، فوجدت الوحم والوصب والطلق والولادة. وقد أجبنا عن هذا فيما تقدَّم (١).

وكان قابيل صاحب زرع، وهابيل صاحب غنم، فقرَّب قابيل ميرة من طعام من أردأ زرعه، وأَضمر في نفسه وقال: ما أُبالي أتُقُبِّل منِّي أم لا؟ بعد أن لا يتزوَّج هابيل أختي، وقرَّب هابيل كبشًا سمينًا من خيار غنمه ولبنًا وزبدًا، وأضمر في نفسه الرِّضى بالله تعالى، فوضعا قربانهما على الجبل، وكانت القرابين إذا كانت مقبولة نزلت نارٌ بيضاء من السَّماء فأكلتها، وإذا لم تقبل لم تنزل النار وأكلتها السِّباع والطيور.

وقام آدم يدعو، وقيل: كان غائبًا بمكة، فنزلت النار فأكلت الحَمَل والزُّبد واللبن، ولم تأكل من قربان قابيل شيئًا لأنه لم يكن زكيَّ القلب وكان هابيل زكي القلب. قال ابن عباس: فلم يزل الكبش يرعى في الجنَّة حتَّى فدي به إسماعيل (٢)، قال: فذلك قوله تعالى: ﴿إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا﴾ [المائدة: ٢٧].

واختلفوا في أي موضع كان القربان: فعامَّة العلماء على أنه كان بالهند في المكان


(١) في ذكر أولاد آدم .
(٢) أخرجه الطبري في "تاريخه" ١/ ١٣٧ - ١٣٨، وانظر "المنتظم" ١/ ٢٢١ - ٢٢٢.