للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذي أهبط فيه آدم، وقال ابن قتيبة في "المعارف": كان بمنى، فمن ثم صار بها مذبح الناس اليوم (١).

قلت: وهذه من أوهام ابن قتيبة، فإنه لم يوافقه على هذا أحد، وإنَّ الواقعة كانت بالهند.

فإن قيل: فلمَ رُفِعتْ هذه النَّار وهذه الأمَّة أحوج إليها من غيرها؟ فالجواب: إنَّما ارتفعت لطفًا بهذه الأمَّة لأنها كانت تُميِّز الخالص من الكدر، فرُفِعت لئلَّا يفتضح المردود منها.

وقال مجاهد: ولما تقبِّل قربان هابيل بقي في نفس قابيل، وأضمر له السُّوء، وعزم آدم على الحجِّ إلى مكَّة، فلمَّا أراد أن يتوجَّه إلى مكَّة قال للسَّماء: يا سماء، احفظي ولدي بالأمانة فأبت، فقال للأرض والجبال والشجر: احفظوا ولدي بالأمانة فأبوا فقال لقابيل: احفظ ولدي بالأمانة، فقال: نعم، وسترى في ولدك إذا رجعت ما يسرُّك، فذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَينَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (٧٢)[الأحزاب: ٧٢] ومعناه: حين حمل الأمانة ثم خان (٢).

فلمَّا غاب آدم جاء قابيل إلى هابيل وهو في غنمه فقال له: لأقتلنَّك، قال: ولِمَ؟ قال: لأنَّ الله تقبَّل قربانك وردَّ قرباني، وتنكح أختي الحسناء بغير أمري، وأنكح أختك الدَّميمة، وقد تحدَّث النَّاس أنَّك أفضلُ منِّي، وأنَّ ولدك يفخرون على ولدي. فقال له هابيل: فما ذنبي؟ ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة: ٢٧] الذين يتَّقون المعاصي والشرك والقتل ﴿لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالمِينَ (٢٨)(٣) [المائدة: ٢٨].

فإن قيل: فهلَّا دفع هابيلُ عن نفسه؟ فالجواب: ما ذكره مجاهد قال: كان قد كُتِبَ


(١) "المعارف" ١٧.
(٢) أخرجه الطبري في "تاريخه" ١/ ١٣، وفي التفسير (١١٧١٥) من طريق السدي، عن أبي مالك وأبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة، عن ابن مسعود وناس من الصحابة.
(٣) انظر "عرائس المجالس" ٤٦.