للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: هاتي مثلَها. فجاءته بها، فقال: خُذْها لك صِلةً. فقلتُ: لا واللهِ لا أقبل صِلَةَ رجلٍ ارتدَّ عن الإسلام. فقال: اقرأ على عمر مني السلام.

قال: فلما قفلتُ دخلتُ على عمر، وذكرتُ له ذلك، فقال: قاتلَه الله، باع باقيًا بفانٍ.

وقال ابن سعد: إن رسول الله عند رجوعه (١) من الحديبية كاتبَ الملوكَ، وكتبَ إلى جَبَلَة بنِ الأَيْهم ملكِ غسان يدعُوه إلى الإسلام، فأسلمَ، وكتبَ بإسلامه إلى رسول الله ، وأهدى له هدية.

ثم لم يزل [مسلمًا] إلى أيام عمر بن الخطاب ، فبينما هو يسيرُ في سوق دمشق؛ إذْ وَطِئَ رجلًا من مُزَينة، فوثَبَ المُزَنيُّ فلطمه، فأخذَه وانطلقَ به إلى أبي عبيدةَ بنِ الجرَّاح، فقالوا: هذا لطمَ جَبَلَةَ. قال: فلْيَلْطمه. قالوا: وما يُقتل؟ قال: لا. قالوا: فما تُقطع يدُه؟ قال: لا، إنَّما أَمرَ الله بالقَوَد. قال جبلة: أتُرَوْن أني جاعلٌ وجهي نِدًّا لوجهِ جَدْيٍ جاء من عَمْق (٢)! بئس الدينُ هذا. ثم ارتدَّ نصرانيًّا، ورحَلَ بقومه حتى دخلَ أرضَ الروم.

وبلغ عمرَ، فشقَّ عليه، وقال لحسان بن ثابت: يا أبا الوليد، أما علمتَ أنَّ صديقكَ جَبَلَةَ بنَ الأيهم ارتدَّ نصرانيا؟ فاسترجع حسان وقال: ولِمَ؟ قال: لطَمَه رجلٌ من مُزَينَة.

قال: حُق له. فقام إليه عمر، فلطَمَه بالدَّرَّة.

وقال عبد الله بن مَسْعَدَة: بعثني معاوية إلى ملك الروم، فدخلتُ عليه، وإذا عندَه رجلٌ على سريرٍ من ذهب، فكلَّمني، فقلت: مَنْ أنتَ؟ فقال: رجل غلبَ عليه الشقاء، أنا جَبَلَةُ بن الأَيهم الغسَّانئ، إذا صِرتَ إلى منزلي فَالْقَنِي. قال: فأتيتُه، فقال: أتُرَى


(١) جاء في (م) بعد قوله آخر الفقرة السابقة: باع باقيًا بفان: قلت: وهذه رواية ابن الكلبي، أما ابن سعد فإنه ذكر في "الطبقات" أن الواقعة كانت بدمشق، فذكر في سيرة النبي عند رجوعه … إلخ. والخبر في "طبقات" ابن سعد ١/ ٢٢٨.
(٢) في "القاموس": العَمْق: ما بَعُد من أطراف المفازة. ويُضمّ.