للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن قتيبة: حمله حتى أتى به واديًا من أودية الهند فكَمَنَ فيه. وصاح به صائح من السَّماء قتلته لعنك الله، فهرب من الصَّوت حتى اختلط بالوحش.

وحكى أبو إسحاق الثعلبي قال: لما قتل قابيل أخاه رجفت الأرض بما عليها سبعة أيَّام، ثم شربت الأرض دمه كما تشرب الماء، فناداه الله ﷿: يا قابيل، أين أخوك هابيل؟ فقال: ما كنتُ عليه رقيبًا. فقال: إنَّ صوت دم أخيك ليناديني من الأرض فلمَ قتلته؟ وأين دمه؟ فحرَّم الله على الأرض يومئذٍ أن تشرب دمًا بعده.

وذكر الثعلبي عن ابن عباس قال: لما قتل قابيل أخاه كان آدم بمكَّة فتغيَّرت الثمار والأطعمة، وحمضت الفواكه، ويبست الشجر، وأمرَّ الماء، واغبرَّت الأرض (١).

وفي رواية: وبلغ آدم ما صنع قابيل فجاء على أثر ذلك فوجد الأرض قد نَشِفَتْ (٢) دمه، فلعن الأرض، فمن أجل ذلك أن الأرض لا تَنْشِفُ دمًا (٣)، وأنبتت الشوك من أجل لعنته.

وفي رواية: لما يبس الشجر وتغيَّرت الدنيا قال آدم: حدث في الأرض حَدَثٌ، فأتى الهند فوجد قابيل قد قتل هابيل وهرب إلى اليمن، فأقام آدم مئة سنة لم يضحك حزنًا على هابيل (٤).

قال أبو إسحاق الثعلبي فأنشأ يقول وهو أول من قال الشِّعر [الوافر]:

تغيَّرتِ البلادُ ومَن علَيها … فوَجهُ الأرض مغبرٌّ قبيحُ

وبُدِّل أهلُها أثَلًا وخَمْطًا … بجنَّاتٍ من الفِردوس فِيح

تغيَّر كلُّ ذي لونٍ وطعم … وقلَّ بشاشةُ الوَجهِ الصبِيحِ (٥)

وقابيلٌ أذاق الموت هابِلْ … فواحزَني لقد فُقِدَ المليحُ


(١) انظر "عرائس المجالس" ٤٧.
(٢) نَشِفَت: شربت.
(٣) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٦/ ١٩٩.
(٤) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٦/ ١٩٠.
(٥) في البيت إقواء، ورواه السيرافي بنصب بشاشة على التمييز مع قطع التنوين ورفع الوجه وصفته، وانظر الكلام على البيت في "أمالي ابن الشجري" ٢/ ١٦٤، و"الإفصاح" للفارقي ص ٦١.