للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما لي لا أجود بسكب دمعٍ … وهابيلٌ تضمّنه الضريحُ

وجاءت شَهلَةٌ (١) ولها رنينٌ … لهابِلِها وقابِلِها تصيحُ

لقتل ابن النَّبيِّ بغير جُرمٍ … فقلبيَ عند قتلته جريحُ

أرى طولَ الحياةِ عليَّ غمًّا … فهل أنا مِن حياتيَ مستريحُ

وجاوَرْنا عدُوًّا ليس يفنى … لعينًا ما يموت فنستَريح (٢)

وقالت حوَّاء:

دع الشكوى فقد هلكا جميعا … بهلكٍ ليس بالثَّمن الرَّبيحِ

وما يُغني البكاءُ عنِ البواكي … إذا ما المرء غُيِّبَ في الضَّرِيحِ

فبَكِّ النَّفسَ منك ودَع هَواهَا … فلست مُخلَّدًا بعد الذَّبِيحِ

فأجابهما إبليس شامتًا بهما:

تنحَّ عن البلاد وساكِنِيها … فقد في الخُلدِ ضاقَ بِك الفسِيحُ

وكنتَ بها وزَوجُكَ في رخاءٍ … وقلبُكَ من أذى الدنيا مريحُ

فما زالت مُكَايَدَتي ومَكرِي … إلى أن فاتك الخُلدُ المرِيحُ

فلولا رحمةُ الجبَّارِ أضحى … بكفِّك من جِنانِ الخُلدِ رِيحُ

هذه صورة ما ذكر الثعلبي (٣)، وهو شعر ركيك مزحوف، وقد أنكر ابن عباس هذا الشعر.

حدَّثني أبو القاسم الحَبِيبي بإسناده عن ميمون بن مهران عن ابن عباس أنَّه قال: من قال إنَّ آدم قال شعرًا فقد كذب على الله ورسوله، ورمى آدم بالمأثم. إنَّ محمدًا والأنبياء كلهم في النهي عن الشعر سواء، قال الله تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾ [يس: ٦٩] ولكن لما قَتل قابيلُ هابيلَ رثاه آدم، وهو سريانيٌّ، وإنما يقول الشعر من يتكلم بالعربيَّة.

فلما قال آدم مرثيته في ابنه هابيل -وهو أوَّل شهيد كان على وجه الأرض- قال آدم


(١) الشَّهلَةُ: العجوز.
(٢) انظر "عرائس المجالس" ٤٧ - ٤٨، وتفسير الثعلبي ٢/ ٤٤٠، ومروج الذهب ١/ ٦٥ - ٦٦.
(٣) انظر "عرائس المجالس" ٤٨.