للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

و [قال أبو اليقظان:] كان معاوية قد جمع لزياد العراقيين سنة خمسين، وكان يَشْتُو بالبصرة، ويَصِيفُ بالكوفة، فيُقيم في كل مصرٍ ستةَ أشهر، فإذا خرج عن الكوفة (١) استنابَ عَمرو بنَ حُريث، وإذا خرجَ عن البصرة (٢) استخلفَ سَمُرَةَ بنَ جُنْدُب، فيسفك الدماء (٣). وسنذكره إن شاء الله تعالى (٤).

ولقي رجلٌ زيادًا فقال: أيُّها الأمير، إن أبينا (٥) مات، وإنَّ أخونا (٦) تعدَّى على ميراثنا فأخذَه، فقال زياد: لا رَحِمَ اللهُ أباك، ولا حَفِظَ أخاك، ولا أَحسَنَ الخلافةَ عليك، ولقد ضَيَّعتَ من نفسك أكثرَ مما ضاع من مالِك.

ومرَّ زياد في موكبه برجل أعمى من بني مخزوم، فقال: مَنْ هذا؟ فقالوا: يا أبا العُريان -وكان يتكنَّى به- هذا زياد بنُ أبي سفيان. فقال: ما ولدُ أبي سفيان غيرُ فلان وفلان، ولرُبَّ بيت هدَمَه الله (٧)، وعبدٍ رُدَّ إلى مواليه.

وبلغ معاويةَ، فكتبَ إلى زياد: اقْطع لسان أبا العُريان (٨). فبعث إليه زياد بألف دينار، وقال للرسول: قُلْ له: ابنُ أخيك يُسلَّمُ عليك ويقول لك: استنفق من هذه حتى يأتيَكَ مثلُها.

فأخذها، ثم مرَّ عليه زياد، فوقف، فسلَّم فقال: مَنْ هذا؟ فقالوا: زياد. فبكى وقال: واللهِ واللهِ إني لأعرِفُ حَزْمَ أبي سفيان في منطقه ونُبْلِه.


(١) في (م): البصرة، وهو خطأ.
(٢) في (م): الكوفة، وهو خطأ.
(٣) "طبقات" ابن سعد ٩/ ٩٨ - ٩٩، و"أنساب الأشراف" ٤/ ٢٣٥، و ٢٧١.
(٤) في (م): وسنذكر سمرة بن جندب في سنة ثمان وخمسين.
(٥) كذا في النسختين (ب) و (خ)، و"أنساب الأشراف" ٤/ ٢٤٣، وتاريخ دمشق ٦/ ٥٠٠ (مصورة دار البشير، ترجمة زياد) وهو من لفظ الرجل اللاحن. ولم يرد الخبر في (م).
(٦) كذا في (ب) و (خ)، وفي "أنساب الأشراف" و"تاريخ دمشق": أخينا، وكلاهما لحن. من أصل الخبر.
(٧) في "أنساب الأشراف" ٤/ ٢٤٥: لربَّ أمر قد نقضه الله، وبيت قد هدمه الله.
(٨) كذا في (ب) و (خ) والجادة: أبي العريان. ولم يرد الخبر في (م). وفي "أنساب الأشراف": اقطع لسان أعمى بني مخزوم.