كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان

السنة الرابعة والخمسون - حكيم بن حزام - ج: 7 - ص: 325

وخرجتُ معه إلى حُنين، فاعطى رجالًا من المغنم أموالًا، وسألتُه يومئذ فألْحَفْتُ في المسألة؛ سألتُه مئةً من الإبل، فأعطاني إياها، ثم سألتُه مئة فأعطاني إيَّاها، ثم قال: "يا حكيم، [إن] هذا المال خضرةٌ حُلوة، فمن أخذَه بسخاوة نفسٍ بُورك له فيه، ومن أخذَه بإشراف نفس لم يبارَكْ له فيه، وكان كالذي يأكلُ ولا يشبع، واليدُ العليا خيرٌ من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول". فقال حكيم: والذي بعثكَ بالحقّ، لا أرْزَأُ أحدًا بعدَك شيئًا حتى أفارقَ الدنيا.

فكان أبو بكر ﵁ يدعو حكيمًا إلى عطائه، فيأبى أن يأخذَه، وكذا عمر، فيقول عمر رضوان الله عليه: أيُّها الناس، أُشهدُكم على حكيم أنِّي أدعُوه إلى عطائه فيأبى أن يأخذَه، فلم يَرْزَأ حكيم بعد رسول الله ﷺ[من] أحدٍ شيئًا حتى توفّي (١).

وحكى الواقديُّ أن رسول الله ﷺ قال يوم الفتح: "مَنْ دخَلَ دارَ أبي سفيان فهو آَمِنٌ، ومَنْ دَخَلَ دار بُديل بن ورقاء فهو آمِنٌ، ومَنْ دخلَ دار حكيم فهو آِمن" (٢).

قال الزُّبير: شهد حكيم يومَ حُنين مسلمًا، وكان إذا حلفَ يقول: لا والذي نجَّاني يومَ بدر، وكان قد هرب في يوم بدر، وكان حكيم في جملة النفر الذين حملوا عثمان ﵁ وصلَّوْا عليه (٣).

وحجَّ حكيم ومعه مئة بَدَنَة قد جلَّلها الخزّ (٤)، ووقفَ بعرفة ومعه مئة وصيف في أعناقهم الذهبُ والفضة، قد نقش عليها: عُتقاء الله (٥) عن حكيم بن حزام.

فأعتقَ الجميع، ونَحرَ البُدْن، وأهدى ألفَ شاة.

وأعتقَ مئة رقبة في الجاهلية، وحملَ على مئة بعير.

---

(١) الخبر بتمامه في "طبقات" ابن سعد ٦/ ٥١ - ٥٢، وما سلف بين حاصرتين منه، وهو بنحوه في "تاريخ دمشق" ٥/ ٢٥٤ - ٢٥٥ والحديث السالف بنحوه عند أحمد (١٥٥٧٤).
(٢) أخرجه ابن عساكر في "تاريخه" ٥/ ٢٥٤ (مصورة دار البشير) من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، مرسلًا. والذي في "صحيح مسلم" (١٧٨٠) من حديث أبي هريرة مطولًا: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن".
(٣) تاريخ دمشق ٥/ ٢٥٩ (مصورة دار البشير).
(٤) في "تاريخ دمشق" ٥/ ٢٦٠ - ٢٦١: الحِبَرَة، وهي ثوب من قطن أو كتان، والخزّ بنحوها.
(٥) في "تاريخ دمشق": عتقاء لله.