للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال عُبيد الله: فعندي رأيٌ أعرضُه عليك. قال: وما هو؟ قال: لا تُهجِّنْ على معاوية بوأيه في ابنه وتبغّضه إليه، فإن رأيتَ أَلْقَى يزيدَ سرًّا من معاوية أُخبرُه برأي أبيه فيه، فعساه أنْ يَنْزعَ عمَّا هو عليه، فلا يبقي لأحد على معاوية حجّة. فقال: افعل.

فقدم عُبيدُ الله دمشقَ، فلقيَ يزيدَ، فأخبره، فأَقْطَعَه ووصلَه، واجتمع عُبيد الله بمعاوية، وقال له: يقول لك أخوك: التأنِّيَ والتُّؤدَة. فكَفَّ معاويةُ عن ذلك (١).

وقال ابنُ عبد ربّه: إنَّ معاوية إنَّما دعا الناسَ إلى بيعة يزيدَ برأي المغيرة بن شعبة حين كَبِر، وخافَ أن يعزلَه معاوية، فكتب المغيرةُ إلى معاوية يستقيلُه، فأمره بالقدوم عليه، فلما قدم عليه استقاله وقال له: لو نَضَبْتَ للناس عَلَمًا من بعدك يصيرون إليه. قال: مَنْ تَرَى؟ قال: يزيد. قال: فارجع إلى عملك.

ولقي المغيرةُ يزيدَ، فأَخْبَرَهُ، فقال يزيد لأبيه: رُدَّ المغيرة إلى عمله. وكان معاويةُ قد عَمَدَ على أن يُوَلِّيَ الكوفةَ سعيدَ بنَ العاص، وقال معاوية للمغيرة: أرسل إليَّ جماعةً من أهل العراق يسألوني. فخرج من عنده وهو يقول: واللهِ لقد (٢) وَضَعتُ رِجْلَه في رِكابٍ طويلٍ على (٣) أُمَّة محمد (٤).

قال المصنف : والأصحُّ أن معاويةَ لم يعهد إلى يزيد إلا في هذه السنة، وكان يستشير زياد فيثبِّطُه، ويستشير المغيرة؛ فإذا ثبَّطَه هدَّدَهُ بالعَزْل، وإذا أجابَه أبقاه. ومات زياد ومات المغيرة والأمرُ بحاله إلى هذه السنة.

وكان معاوية يتخوَّف الناسَ أن لا يُجيبونه (٥)، فما زال يتوصَّل إلى الأشراف من أهل الشام، ويُطلقُ لهم الأموال، فلما استمالهم دعاهم إلى البيعة.


(١) بنحوه في "تاريخ" الطبري ٥/ ٣٠٢ - ٣٠٣ (وما بين حاصرتين منه)، و "المنتظم" ٥/ ٢٨٥ - ٢٨٦.
(٢) في (خ): لو، بدل: لقد. والمثبت من "العقد الفريد" ١/ ٨٣ - ٨٤ والخبر فيه بنحوه.
(٣) في "العقد الفريد": ألقى عليه، بدل: على.
(٤) بعدها في (خ) (والكلام منها): "وبعث إليه رجل من أهل الكوفة مع أبيه (كذا) عروة بن المغيرة". وجاء عليها في آخرها لفظة: كذا. ولعل المراد ذكرُ خبر إرسال المغيرةِ ابنَه عروةَ إلى معاوية مع أربعين من وجوه أهل الكوفة من أجل البيعة ليزيد. فكتب الناسخ بعض الخبر على تحريف فيه. والله أعلم. وينظر الخبر في "مختصر تاريخ دمشق" ١٧/ ٢٩.
(٥) كذا في (خ) (والكلام منها)، والجادة: أن لا يجيبوه.