للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان عبدُ الرحمن أَسَنَّ أولادِ أبي بكر الصدِّيق ، وكان من أشجع رجالِ قريش، وأرماهُم بسهم (١).

وكان رجلًا صالحًا فيه دُعابة، وكان جَوادًا؛ أتَتْهُ امرأةٌ من الأعراب، فقالت له: أتيتُك من شُقَّةٍ بعيدة، مُؤمِّلةً لمعروفك، تخفضُني خافضة، وترفعُني رافعة، في مُلِمَّاتٍ من البلاء، رَهَصْنَ (٢) عظمي، وبَرَيْنَ لحمي، بَعُدَ المالُ والولدُ وكثرةُ العَدد والعُدد، فسألْتُ (٣) أحياءَ العرب: مَنِ المأمولُ سَيْبُه، المأمونُ عَيْبُه؟ فدَلُّوني عليك، فإمَّا أَنْ تُحسِنَ صَفَدي، أو تُقِيمَ أَوَدِي (٤)، أو تَرُدَّني إلى بلدي. فقال: لا، بل أجمعُهُنَّ لكِ. ففعل بها ذلك (٥).

ذكر وفاته :

ومات بالحُبْشي (٦)، فحُمل حتى دُفِنَ بمكَّة، وقَدِمَتْ عائشة [من المدينة] فأَتَتْ قبرَه، فوقَفَتْ عليه، وصَلَّتْ عليه، وتَمثَّلَتْ بهذين البيتين: وكنَّا كَنَدْمانَي جَذِيمة. . .

[وقد ذكرتُهما] (٧).

ثم قالت: أما والله لو شهدتُك ما زُرْتُ قَبرَك، ولو شهدتُك ما حُمِلْتَ من حُبْشِي ميّتًا، ولَدُفِنْتَ مكانَك.


(١) حقُّ هذه العبارة أن تتقدّم على خبر قتله محكم اليمامة المذكور قبلها كما في المصادر المذكورة.
(٢) أي: أضْعَفْنَ. ووقع في (ب) و (خ): هضنَ، والمثبت من "التبيين في أنساب القرشيين" ص ٣١١.
(٣) في (ب) و (خ): فسلكت، والمثبت من "التبيين".
(٤) السَّيبُ، والصَّفَد: العطاء، والأَوَد: الاعوجاج.
(٥) رُويت هذه القصة أيضًا في عُبيد الله بن أبي بكرة، ورُوي نحوها أيضًا في عبيد الله بن العباس، ذكرهما ابنُ عساكر في "تاريخه" في ترجمتهما.
(٦) في (م): قال ابن سعد بإسناده عن ابن أبي مليكة قال: مات عبد الرحمن بن أبي بكر بالحُبْشي. . . والكلام في "طبقات" ابن سعد ٥/ ٢٢.
(٧) البيتان لمتمّم بن نُويرة من مرثيَة لأخيه مالك، وهما:
وكُنَّا كنَدْمانَي جَذِيمةَ حِقْبةً … من الدهر حتى قيل لن يَتَصَدَّعا
فلمَّا تَفرَّقنا كأني ومالكًا … لطولِ اجتماعٍ لم نَبِتْ ليلةً معا
ينظر "طبقات" ابن سعد ٥/ ٢٢، و"المفضليات" ص ٢٦٧، و"تاريخ دمشق" ٤١/ ٣٨ - ٣٩.