للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على سِيسائه (١)، حتى إذا ضربَ الدينُ بِجِرانِه، وألقى بَرْكَهُ (٢)، ورَسَتْ أوْتادُه، ودخلَ الناسُ فيه أفواجًا، ومن كلِّ فِرْقةٍ أرْسالًا وأشتاتًا، اختارَ الله لنبيِّه ما عنده، فقبضَه إليه، فلما [قُبِضَ ]، نَصبَ الشيطانُ رُواقَه، ومَدَّ طُنُبَهُ (٣)، ونَصَبَ حَبائلَه، فظنَّ رجالٌ أنْ قد تَحقَّقَتْ أطماعُهم، ولاتَ (٤) حين الذي يرجون، وأَنَّى والصِّدِّيقُ بين أظهرهم! فقامَ حاسرًا مُشَمِّرًا، فجمعَ حاشيتَه، ورفعَ قُطْرَيه (٥)، فرَدَّ نَشْرَ الإسلام على غَرْبِه (٦)، ولَمَّ شَعْثَهُ بِطَيِّهِ، وأقامَ أوَدَهُ بثِقافِهِ (٧)، فانْدَفَن (٨) النِّفاقُ بوطأته، وانتاشَ الدينَ بنَعْشِه (٩)، فلمَّا أراحَ الحقَّ إلى أهله، وقرَّر الرؤوسَ على كواهلها، وحَقَنَ الدِّماءَ في أُهُبِها؛ أَتَتْه مَنِيَّتُه، فَسَدَّ ثُلْمتَه بنظيره في المَرْحَمة (١٠)، وشَقِيقِه في السِّيرة والمَعْدَلَة، ذلك عمر بن الخطاب، فللَّهِ دَرُّ أُمٍّ حَمَلَتْ به (١١)، ودَرَّتْ عليه، لقد أوْحَدَتْ به (١٢)،


(١) أي: على شدِّه. قاله ابن الجوزي في "صفة الصفوة". ٢/ ٣٥. وقال الفيروزآبادي: حمله على سيساء الحق، أي: على حدّه.
(٢) قال ابن الجوزي: الجِران: الصدر، وهو البَرْك.
(٣) الطُّنُبُ: حبل الخِباء، ووقع في (ب) و (خ): طرفيه، والمثبت من المصادر.
(٤) رسمت الكلمة في (ب) و (خ): الان؛ والمثبت من المصادر.
(٥) القُطر والحاشية: الجانب، وضمُّ القطرين عبارة عن التحزّم والتشمّر للأمر.
(٦) في (ب) و (خ): غرب. والمثبت من "صفة الصفوة" ٢/ ٣٤. قال ابن الجوزي: الصواب: على غرِّه، أي: على طيِّه.
(٧) الأوَد: العِوَج، والثِّقاف: تقويم الرماح وغيرها. قا له ابن الجوزي.
(٨) كذا في (ب) و (خ)، وفي "صفة الصفوة": اندفر، ولعلهما محرَّفتان عن لفظة: ابْذَقَرَّ، أي: تفرَّق وتبدَّد، وبهذا المعنى شرحها ابن الجوزي في "صفة الصفوة". ووقع في "غريب الحديث" ٢/ ١٧٤، و"العقد الفريد" ٤/ ٢٦٣، و"الفائق" ٢/ ١١٣: ابْذَعَرَّ. وهما بمعنى.
(٩) قال ابن الجوزي في "صفة الصفوة" ٢/ ٣٦: انتاشَ الدينَ، أي: أزال عنه ما يُخاف عليه، ونعَشَه: رفَعَه.
(١٠) في (خ): الوجه، والمثبت من المصادر، وهذه العبارة ليست في (ب)، والخبر ليس في (م).
(١١) كذا في (ب) و (خ)، و"صفة الصفوة" ٢/ ٣٤. وفي "غريب الحديث" ٢/ ١٧٥، و"العقد الفريد" ٤/ ٢٦٣، و"الفائق" ٢/ ١١٣: حفلت له. قال الزمخشري: أي: جمعت اللبن في ثديها.
(١٢) قال الزمخشري في "الفائق" ٢/ ١١٦: أي: جاءت به واحدًا بلا نظير. . . يقال: أوحده الله، أي: جعله منقطع المثل.