للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ناشئًا، وكَهْفُها كَهْلًا، يَفُكُّ عانِيَها (١)، ويَرِيشُ مُمْلِقَها (٢)، ويَرْأَبُ شَعْبَها (٣) حتى حَلِيَتْهُ قلوبُها، ثم اسْتَشْرى (٤) في الله، فما بَرِحَتْ شَكِيمَتُه (٥) في ذات الله حتى اتَّخَذَ بِفِنائِه مسجدًا يُحيي فيه ما أماتَ المُبْطِلُون.

وكان -واللهِ- غَزِيرَ الدَّمْعَة، وَقِيذَ الجواوح (٦)، شَجِيَّ النشيج (٧)، فانقصفت (٨) إليه نِسوان مكَّة وولْدَانها يسخرون منه، [ويستهزئون به] ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [البقرة: ١٥] فأَكْبَرَت ذلك رجالاتُ قُريش، فحَنَتْ له قِسِيَّها، وفَوَّقَتْ له سهامَها (٩)، وانتثلوا (١٠) غَرَضًا، فما فلُّوا (١١) له صَفاةً (١٢)، ولا قَصَفُوا له قناةً، ومرَّ


= ومَنْ عصاكَ فعاقِبْهُ مُعاقبةً … تَنهى الظَّلومَ ولا تقعد على ضَمَدِ
إلا لمثلكَ أو مَنْ أنت سابقُهُ … سَبْقَ الجوادِ إذا استولى على الأمدِ
(١) العاني: الأسير.
(٢) أي: يُعينُ فقيرَها، ويُعطيه المال، ويُصلح حاله.
(٣) أي: يجمعُ مُتَفَرِّقَها.
(٤) أي: احتدَّ.
(٥) الشكيمة: الأَنَفَة والحميَّة، ووقع في (ب) و (خ): شيمته، والمثبت من "غريب الحديث" لابن قتيبة ٢/ ٢٧٤، و"العقد الفريد" ٤/ ٢٦٢، و"الفائق" ٢/ ١١٣. ولم يرد الخبر في (م).
(٦) قال ابن الجوزي في "صفة الصفوة" ٢/ ٣٥: الوَقِيذ: العليل، والجوارح معروفة، وفي رواية: الجوانح، وهي الضلوع القصار التي تقرب من الفؤاد. قلت: وهي عند ابن قتيبة في "غريب الحديث" ٢/ ١٧٤، والزمخشري في "الفائق" ٢/ ١١٣.
(٧) قال ابن الجوزي: الشجيُّ: الحزين، والنشيج: صوت البكاء.
(٨) أي: اجتمعت وازدحمت. ووقع في (ب) و (خ): فانقضت، والمثبت من "صفة الصفوة" ٢/ ٣٤ (ورواية المصنف أقرب إليه). وفي "غريب الحديث" لابن قتية ٢/ ١٧٤، و"الفائق" ٢/ ١١٣: فانصفقت. قال ابن قتيبة والزمخشري: وفي رواية: فأصفقت. وهي في "العقد الفريد" ٤/ ٢٦٢، والمعنى متقارب.
(٩) فوَّق السهمَ: عمل له فُوقًا. والفُوق السهم: حيت ثبت الوتر منه، وهما فُوقان، وتحرفت اللفظة في (ب) و (خ) إلى: فرقت.
(١٠) قال ابن الجوزي في "صفة الصفوة" ٢/ ٣٥: مأخوذ من النَّثْلة، وهي الجُعبة، ولم تجوّد الكلمة في النسختين (ب) و (خ)، والكلام ليس في (م).
(١١) أي: كسروا، وتحرفت الكلمة في (ب) و (خ) إلى: فكوا.
(١٢) الصَّفاة: الصخرة الملساء.