للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على هيئة أشخاصهم، ونصبها لهم، فعظَّموها. وذهب ذلك القرنُ وجاء آخر فعبدوها، وقالوا: ما عظَّم أوَّلونا هؤلاء إلا وهم يرجون شفاعتهم. فلم يزالوا على ذلك حتى بعث الله إدريس فنهاهم عن عبادتها، فلم ينتهوا، حتى بعث الله نوحًا فأهلكوا بالطُّوفان، وأحدرها الطوفان من الهند إلى الحجاز، فأرست على جُدَّة، فتقاسمها العرب بعد ذلك، فكان وَدٌّ بدُومَة الجَنْدَل لكلب، وسُواع لهُذَيل، ونَسْر لحِميَر آل ذي الكَلاع، ويَغوث لمُراد وغطفان بالجُرف، ويَعوق لهَمْدان (١).

وذكر ابن إسحاق: أن الأصنام إنما عبدت في زمن أنوش.

وذكر قوم من الأوائل: أن سبب عبادة الأصنام أن طوائف من الهند والصين كانوا يزعمون أن الباري جسم، وأن الملائكة أجسام، وأنهم احتجبوا بالسماء، فدعاهم ذلك إلى أنهم اتخذوا تماثيل وأصنامًا على صور تخيَّلوها بالوهم في الباري سبحانه والملائكة مختلفة (٢) القدود والأشكال، وصوَّروا أيضًا على صور بني آدم من مات من الفضلاء والحكماء، وأقاموا يعبدونها ويقربون لها القرابين وينذرون لها النذور، وأقاموا على ذلك مدّة حتَّى نبَّههم بعض حكمائهم وقال لهم: هذه الأفلاك والكواكب أقرب الأجسام إلى الباري، وهي حيَة ناطقة، وما يتجدَد في العالم إنما هو بتأثيرها، فعظِّموها فهي أولى بالتَّعظيم لتقرِّبكم إلى الباري.

فأقاموا على ذلك مدَّةً، فلما رأوا بعضها يطلع نهارًا وبعضها ليلًا ويخفى نهارًا، صنعوا لها أصنامًا على هيئتها، وأشهر ما بنوا لها سبعة هياكل على عدد الكواكب السَّبعة، وجعلوا لكل كوكب هيكلًا وصنمًا.

فالهيكل الأول: للقمر بنى له مِنُوشِهْر بيتًا بالنُّوبَهار، وسادنه يدعى بَرمك، وإليه ينسب يحيى بن خالد البرمكي. وكتبوا على بابه: أبواب الملوك تحتاج إلى عقل وصبر ومال. فمرَّ به بعض الحكماء فكتب تحته: الواجب على الحرِّ إذا كان معه إحدى الثلاث أن لا يقرب أبواب الملوك.


(١) انظر "الأصنام" ص ٥١ - ٥٨، و"المنتظم" ١/ ٢٣٢.
(٢) في (ب) و (م): مختلقي.