للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ممن عاداني (١)، وقد أنصفَ القارَةَ من راماها (٢)، وإنَّ أمير المؤمنين قد ولَّاني الكوفة، وإنّي سائرٌ إليها، وقد استخلفتُ عليكم عثمان بنَ زياد بن أبي سفيان، فإيَّاكم والخلافَ والإرجاف، فوالذي لا إله إلا هو، لئن بلغني عن رجل منكم خلافٌ لأقتلنَّه، ولآخذنَّ الأدنى بالأقصى حتى تستقيموا. ونزل.

وسار من البصرة ومعه مسلم بنُ عمرو الباهليّ، وشريك بن الأعور الحارثي وأهلُ بيته، فدخلَ الكوفة وعليه عِمامة سوداء، وهو متلثّم، فظنَّه الناس الحسين ، فقال مسلم بن عمرو الباهليّ: تأخَّروا، فهذا الأمير عُبيدُ الله بن زياد. فأخذَتْهم كآبةٌ وحُزن (٣).

وكان تأخّر عنه في الطريق جماعةٌ ممن سار معه، فسار عُبيد الله لا يلوي على أحد خوفًا أن يسبقه الحسين إلى الكوفة، فلما مرَّ بالناس ظنُّوا أنه الحسين وهو معتجرٌ على بغلة وحدَه، فيقولون: مرحبًا بك يا ابنَ رسولِ الله، وهو لا يتكلَّم، وخرجَ إليه الناس من بيوتهم وهو قاصدٌ للقصر.

وسع النعمانُ بنُ بشير قولَ الناس: مرحبًا بك يا ابنَ رسول الله، فأغلقَ باب القصر، وجاء ابنُ زياد، فوقفَ على باب القصر وقال: افتح. والخلق معه يصيحون ظنًّا منهم أنه الحسين ، فكلَّمه النعمان وقال له: أنشدك الله، إلَّا تنحَّيتَ، فواللهِ ما أنا بمسلّم إليك أمانتي، وما لي في قتالك من أَرَب. وكان ليلًا وابنُ زياد ساكت، فقال له: افتَحْ لا فتحتَ، فقد طال ليلُك. وسمعه رجلٌ من أهل الكوفة فعرف صوتَه، فنكص إلى القوم وقال: ويحكم، واللهِ إنه ابنُ مَرْجانة! وسمع النعمانُ، ففتح الباب، فدخل، ورجع القومُ ناكصين على أعناقهم. وأصبح، واجتمعوا إليه، فخطبهم (٤).


(١) في "تاريخ" الطبري ٥/ ٣٥٨: لنكل لمن عاداني.
(٢) يضرب مثلًا لمساواة الرجل صاحبه فيما يدعوه إليه. والقارَة: قبيلة من الهُون بن خريمة. ينظر "جمهرة الأمثال" ١/ ٥٥.
(٣) تاريخ الطبري ٥/ ٣٥٨. وينظر "أنساب الأشراف" ٢/ ٧٨.
(٤) ينظر "تاريخ" الطبري ٥/ ٣٥٩ - ٣٦٠.