للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ودخل عُبيد الله القصر وقال لأسماء بن خارجة ومحمد بن الأشعث: عليَّ بهانئ. قالا: إنه لا يأتي إلا بأمان. قال: وهل أحْدَثَ حَدَثًا فيحتاجَ إلى الأمان؟! فإنْ لم يأتِ [إلا] بالأمان فآمِناه.

فلما دخلَ على ابن زياد قال له: يا هانئ، أما تعلمُ أن أبي دخل هذا القصر (١) فلم يترك فيه أحدًا من الشيعة إلا قتله إلا أباك، ثم أحسنَ إليك؟ قال: بلى. قال: فكان جزائي منك أن خَبَأْتَ في بيتك رجلًا ليقتلني؟! فقال: معاذ الله، ما فعلت. فأخرج الرجلَ الذي كان دسيسًا، فأُسْقِظَ في يد هانئ، وقال: أيها الأمير قد كان الذي بلغَك، ولن أضَيِّعَ يدَك (٢) عندي، وأنتَ آمنٌ وأهلُك، فسِرْ حيثُ شئتَ.

ومِهْرانُ قائمٌ على رأس عُبيد الله وبيده العَنَزَة، وقد كَبا عُبيدُ الله، فقال مهران: واذُلَّاه! هذا العبدُ الحائكُ يؤمِّنُك في سلطانك! فقال: خُذْهُ. فأخذَ مِهْرانُ بضفيرتَيْ هانئ، وحلَّهما، وأخذ عُبيد الله العَنَزَة، فضربَ بها وَجْهَ هانئ، فكسرَ أنفَه وجبينَه وحبسَه (٣).

وسمعَ الناسُ الهَيعَةَ، فقام أسماء بن خارجة فقال لابنِ زِياد (٤): أَرُسُلُ غَدْر؟! أمرتَنا أن نأتيَك به، حتى إذا أتيناك به هشمتَ وَجْهَ الرجل، وأسلتَ دماءه على لحيته، وزعمتَ أنك تقتله! فقال ابنُ زياد: وإنَّك هاهنا! فأمر به، فلُهِزَ وتُعْتِع [به] (٥).

وخافَ ابنُ الأشعث فقال: رضينا ما يفعلُ الأمير، فإنما هو مؤدِّب.

وبلغ عَمرَو بن الحجَّاج أنَّ هانئًا قد قُتل، فأقبلَ في مَذْحِج حتى أحاط بالقصر وقال: أنا عَمرُو بنُ الحجَّاج، فقال ابنُ زياد لشُرَيح: اخْرُجْ إليهم، فخرج فسكَّنهم (٦).


(١) في "تاريخ" الطبري ٥/ ٣٦١: هذا البلد.
(٢) في (خ): برّك. والمثبت من "تاريخ" الطبري ٥/ ٣٦١.
(٣) تاريخ الطبري ٥/ ٣٦٠ - ٣٦١.
(٤) في (خ): فقام ابن زياد، بدل: فقال لابن زياد، والصواب ما أثبتُه، وينظر "تاريخ" الطبري ٥/ ٣٦٧.
(٥) اللَّهْزُ: الضَّربُ بجُمْع الكفِّ في اللهازم والرَّقَبة، والتَّعْتَعَة. التحريك بعنف.
(٦) تاريخ الطبري ٥/ ٣٦٧ - ٣٦٨، وما سلف بين حاصرتين منه.