للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَمَّا انتهينا وبابُ الدارِ منصفقٌ … لصوت رَمْلَةَ رِيعَ القلبُ فانصدعا

ثم انْبَعَثْنا على خُوصٍ مُزَمَّمةٍ … نرمي العَجاجَ (١) بها لا نأْتَلِي سَرَعا

وما نُبالي إذا بلَّغْنَ أرْحُلَنا … ما ماتَ منهنَ بالبَيداء (٢) أو ظَلَعا

أوْدَى ابنُ هندٍ وأوْهَى المجدُ يتبعُهُ … كيما يكونا جميعًا قاطنَينِ معا (٣)

أَغَرُّ أَبْلَجُ يُسْتَسْقَى الغمامُ به … لو قارعَ الناسَ عن أحسابهم قَرَعا

لا يرقعُ الناسُ ما أَوْهَى ولو جَهَدُوا … أنْ يرقعوه ولا يُوهون ما رَقَعا (٤)

[وقال الطبري (٥): مات معاوية ويزيد بحُوَّارِين، فكتبوا إليه حين مرض].

وأقبل يزيد وقد دُفن، فأتى قبرَه، فصلَّى عليه، ثم دعا له، وأتى منزلَه، وأقام ثلاثًا لا يخرج منه، ثم خرج وعليه أثر الجَزَع، فصعد المنبر [وقام الضحاك بن قيس إلى جانب المنبر] فخاف عليه من الحَصَر (٦)، ففطنَ يزيد، فقال: يا ضحَّاك، أجئتَ تعلِّم بني عبد شمس الكلام؟!.

ثم خطب فقال: أيها الناس، إن معاويةَ كان عبدًا لله، أنعم عليه، ثم قبضه إليه، ولا أُزكِّيه على الله، هو أعلم به، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه. ثم نزل.

وقيل: إنه قال: الحمد لله الذي ما شاء صنع، ومن شاء أعطى ومن شاء منع، ومن شاء خفض ومن أراد رفع. إنَّ معاويةَ كان حبلًا من حبال الله، مدَّهُ ما شاء أن يَمدَّه، ثم قطعه حيث أراد قَطْعه، وكان دونَ مَنْ كان قبلَه، وخيرًا ممن يأتي بعده. وقد صار إلى الله، فإنْ شاء عفا عنه، وإن شاء [رَحِمَه، وإنْ] عاقبَه فبذنبه، وإنْ رَحِمَه فبفضله. وقد


(١) في "أنساب الأشراف" و"التعازي": الفجاج.
(٢) في "العقد الفريد" ٤/ ٣٧٣ و "تاريخ دمشق" ٦٨/ ٣٣١: بالمَوْماة، وهما بمعنى. يعني المفازة.
(٣) في الشطر الثاني للبيت بعض اختلاف عن المصادر.
(٤) البيتان الأخيران في "ديوان الأعشى" ص ١٥٧ و ١٦١ بنحوهما.
(٥) ينظر "تاريخه" ٥/ ٣٢٨. وسلف نحوه قريبًا، وينظر أيضًا "أنساب الأشرأف" ٤/ ١٧٦. والكلام بين حاصرتين من (م).
(٦) أي: العِيّ. والحَصَر أيضًا ضيق الصدر. وما سلف بين حاصرتين من (م).