للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومعاويةُ أوَّلُ من اتَّخذَ الحَرسَ؛ قال معاوية: لَمَّا ولَّاني عمر بنُ الخطاب الشام قالت لي أمي هند: يا بنيّ، إن هذا الرجلَ قد استعملك على أمر خطير، فاعمَلْ فيه بما يُوافقه؛ كرهتَه أو أحبَبْتَه، وإياك ومخالفتَه، فيكونَ ذلك سببًا لنفوره عنك وإزالة النعمة. ففعلتُ ما أمَرَتْني به، فرأيتُ عليه الخير والبركة ودوامَ الولاية.

وقال لي أبي: يا بني إنَّ هؤلاء الرهطَ من المهاجرين سبقونا وتأخَّرْنا، فرفَعهم سَبْقُهم، وقصَّر بنا تأخُّرُنا، حتى صِرْنا أتباعًا، وصارُوا قادةً، وقد قلَّدوك جسيمًا من الأمر، فلا تُخالفنَّ رأيَهم، فإنك تجري إلى أمدٍ لو بلغتَه لَنَفُسْتَ فيه (١).

فعجبتُ من اختلافهما في اللفظ، واتفاقهما في المعنى (٢).

ومعاويةُ أوَّلُ من بنى الخضراء (٣) بدمشق، وأقام بها أربعين سنة، وهو أوَّلُ من اتخذ ديوان الختم على الإطلاقات، وكان على ديوان الختم عبدُ الله بن مِحْصَن الحميري (٤)، وهو أول من استكتب الدية، ثم ابنه يزيد (٥).

دخل عبدُ الله بنُ عباس يومًا على معاوية وعنده جماعة من بني هاشم، فقال معاوية: بم تفخرون علينا يا بني هاشم؟ أليس الأبُ واحدًا، والأمُّ واحدة، والدارُ واحدة؟ فقال له ابن عباس: نفخرُ عليك وعلى سائر الناس برسول الله ، فإنك لا تستطيع له إنكارًا، ولا تَرِيمُ عنه نِفارًا. فقال له معاوية: لقد أُعطيتَ لسانًا ذَرِبًا؛ تكاد تغلبُ بباطلك حقَّ غيرك، على أنّي أُحِبُّك لأربع؛ مع مغفرتي لك أربعًا.

أمَّا حبِّي إيَّاك فلقرابتك.

وأما الثانية: فلأنَّك من أسرتي الذين أتقوَّى بهم.

وأما الثالثة: فإنك لسانُ قريش.

أما الرابعة: فلأن أباك كان خِلًّا لأبي.


(١) في "العقد الفريد" ٤/ ٣٦٥: لتنفَّسْتَ فيه.
(٢) ينظر "أنساب الأشراف" ٤/ ١٧، و"العقد الفريد" ٤/ ٣٦٥.
(٣) هي دار الإمارة.
(٤) تاريخ الطبري ٥/ ٣٣٠.
(٥) لم أقف عليه.