للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما قولك: إني كنتُ يوم صِفِّين عليك؛ فلو لم أفعلْه لكنت شرَّ الناس.

وأما قولك: إني خذلتُ عثمان؛ فقد علمتَ أنه ولَّاني الموسم في العام الذي حُصر فيه، ولم أشهد قتلَه، على أنه قد خَذَله من كان أقربَ إليه منِّي. يشير إلى معاوية.

وأما قولك عن عائشة؛ فإن الله أمرَها بالقَرار في بيتها، وأن تحتجب في سِتْرها، فلما خالفَتِ الأمر وَسِعَنا ما كان منا إليها.

وأما نفي زياد عنك؛ فإنَّ النبي فعل ذلك بقوله: "الولد للفراش، وللعاهر الحَجَر" (١) وأنتَ عكستَ ذلك.

وقال معاوية يومًا في مجلسه: مَنْ أفصحُ الناس؟ فقامَ رجل فقال: قوم تَيامَنُوا عن طُمْطُمانِيَّةِ حِمْيَر، وتَياسَرُوا [عن] كَسْكَسَةِ بكر، وليس فيهم غَمْغَمة قُضاعة (٢). قال: مَنْ هم؟ قال: قومُك قريش. قال: صدقت، فممَّن أنت؟ قال: من جَرْم. قال (٣): جَرْمٌ أفصحُ الناس.

ولما بلغ معاويةُ السبعين كان يقول: ما من شيءٍ كنتُ أستلذُّه مع الشباب فأجده اليوم كما أُحبُّ إلا الحديث الحسن.

ثم قال:

مَنْ عاش أخْلَقَتِ الأيامُ جِدَّتَهُ … وخانَه ثقتاه المسمعُ والبصرُ (٤)


(١) أخرجه البخاري (٦٨١٧)، و (٦٨١٨)، ومسلم (١٤٣٧)، و (١٤٥٨) من حديث عائشة وأبي هريرة (على الترتيب).
(٢) ما بين حاصرتين زيادة ضرورية. ورواية الخبر في "الكامل" ٢/ ٧٦٥ بلفظ: (قوم تباعدوا عن فُراتية العراق، وتيامنوا عن كشكشة تميم، وتياسروا عن كسكسة بكر، ليس فيهم غمغمة قضاعة، ولا طُمْطُمانِيَّة حِمْيَر)، اهـ. فكَشْكَشَةُ تميم: إبدالُهم من كاف المؤنّث شيئًا عند الوقف، والتي يُدْرِجُونها يَدَعُونَها كافًا، فيقولون للمرأة: جعل الله البركة في دارِش، وويحَكِ مالِش. وأما كسكسة بكر، فأكثرهم يُبَيِّنُون حركة كاف المؤنث في الوقف بالسين، فيزيدونها بعدها، فيقولون: أَعْطَيتُكِسْ، وقليل منهم يُبْدلون من الكاف سينًا كما فعل التميميُّون في الشين. وأما الغمغمة، فهو أن تسمع الصوتَ ولا يتبيَّن لك تقطيعُ الحروف، وأما الطمطمة؛ فهو أن يكون الكلام مشبهًا لكلام العجم. ينظر "الكامل" ٢/ ٧٦٢ - ٧٦٦.
(٣) في "الكامل" ٢/ ٧٦٥، و"العقد الفريد" ٢/ ٤٧٦: قال الأصمعي … (والأصمعي راوي الخبر). وينظر "أنساب الأشراف" ٤/ ٣٠.
(٤) ينظر "العقد الفريد" ٣/ ٥٧.