للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال له معاوية: يا ابنَ الزُّبير، إنه واللهِ ليس لك في القديم (١) رِياسة، ولا في الحديث سياسة، ولقد سُدْناك قديمًا وحديثًا، وإن هؤلاء الحضور ليعلمون أن قريشًا اجتمعت يومَ الفِجار على [رِياسَةِ] حربِ بنِ أمية (٢)، وأن أباك وأسرتَه كانوا تحت رايته، راضون بإمارته، غير منكرين لفضله، ولا طامعين في عزله، وإنْ أمَرَ أطاعوا، وإنْ قال أنْصَتُوا. ولم تزل فينا الرياسة حتى بعثَ [الله] محمدًا ، وانتخَبَه من خلقه من أُسرتي، لا من أُسرتك، وبني أبي، لا من بني أبيك، فجَحَدَتْه قريش أشدَّ الجُحود، وجاهدَتْه أشدَّ الجهاد، إلا من عصمه الله من قريش. ومن ساد (٣) قريشًا وقادهم إلا أبو سفيان؟ فكانت الجيوش تلتقي، ورئيس الهدى منا، ورئيس الضلالة منكم (٤)، ومهديُّكم تحت راية مهديِّنا، وضالُّكم تحت راية ضالِّنا، فنحن الأرباب، وأنتم الأذناب، حتى خلَّصه الله من عظيم شِرْكه، وعَصَمَه بالإسلام (٥) من عبادة الأصنام، وكان في الجاهلية عظيمًا شأنُه، وفي الإسلام معروفًا مكانُه، ولقد أعطيَ يومَ الفتح ما لم يُعْطَه أحدٌ من آبائك؛ بقول رسول الله : "مَنْ دخلَ دارَ أبي سفيان فهو آمن". فجعلَ داره حَرَمًا آمنًا، وقَرَنها بالمسجد الحرام، ولم تكن دارُ آبائك حرمًا.

وأما هند فامرأةٌ من قريش، كانت عظيمة الخَطَر في الجاهلية، كثيرةَ الخير في الإسلام.

وأما جدُّك الصِّدِّيق؛ فبتصديق بني عبد منافٍ صار صِدِّيقًا، لا بتصديق بني عبد العُزَّى.

وأما جدِّي المشدوخ ببدر؛ فلعمري؛ فلقد دعا إلى البراز هو وأخوه وابنُه، فلو برزْتَ أنت وأبوك وبنو عبد العُزَّى؛ ما بارزوكم، ولا رأَوْكُم أهلًا ولا أكفاءً لهم كما طلب ذلك غيركم، فلم يُجيبوه، حتى برزَ إليهم أكفاؤُهم، فقضى الله مناياهم بأيديهم.

وأما عمَّتك وخالتك؛ فبنا صِرْنَ أمهاتِ المؤمنين. وأما صفية فهي التي أدْنَتْك من الظِّلّ، ولولاها لكنتَ ضاحيًا.


(١) في (ب) و (خ): القدم. والمثبت من "العقد الفريد" ٤/ ١٦.
(٢) ما بين حاصرتين من "العقد الفريد" لتوضيح الكلام.
(٣) في "العقد الفريد" ٤/ ١٧: فما ساد.
(٤) في "العقد الفريد": منّا.
(٥) في (ب) و (خ): بإسلام، والمثبت من "العقد الفريد".