للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال معاوية: صدقتَ يا ذكوان، أكثرَ اللهُ في موالي الكرام مثلك. فقال ابن الزُّبير: إنَّ أبا عبد الله سكتَ، وتكلَّم مولاه، ولو تكلَّم لأجبناه وكَلِفْناه (١)، فإنه لا جوابَ لهذا العبد.

فقال ذكوان: هذا العبدُ خيرٌ منك، وأكرمُ وَلاءً، وأحسنُ أفعالًا.

وقال معاوية: قاتلكَ الله يا ابنَ الزُّبير، ما أَعْتاكَ وأبغاك! أتريد أن تفتخر بحضرة أبي عبد الله؟! لأنتَ المتعدِّي لطَوْرِك، فقس شِبْرَكَ بفِتْرِكَ، وانظر أين تقعُ من بني عبد مناف، أما واللهِ لو وقعتَ في بحور بني هالثمم وبني عبد مناف لَتعْطِّينَّك (٢) بأمواجها، ثم لَتلقينَّك في أُجاجِها (٣)، فما بقاؤك في البحور إذا غَمَرَتْك؟ وفي الأمواج إذا قَبَرَتْك (٤)؟ فحينئد تعرفُ نفسَك، وتندمُ على ما كان من جُرْأتك، وتتمنَّى لِما أصبحت فيه الأمانَ (٥)، وقد حيل بين العير والنَزَوان.

فالتفت ابنُ الزبير إلى الحاضرين وقال: ناشدتُكُم اللهَ، هل تعلمون أنَّ أبي حَوَاريُّ رسولِ الله ؟ وأنَّ [أباه] أبا سفيان هذا حاربَ (٦) رسولَ الله ، وكان عليه في جميع المواطن كلِّها؟ وأنَّ أمي أسماءُ بنتُ أبي بكر ذاتُ النطاقين، وأن أمَّه هندٌ آكلةُ الأكباد، وجدِّي الصِّدِّيق، وجدّه المشدوخ ببدر كافرًا (٧)، وعمتي خديجة زوجُ النبي ، وعمَّته أمُّ جميل حمَّالةُ الحطب، وجدَّتي صفيةُ بنت عبد المطلب، وجدَّته حَمامة، وزوج عَمَّتي خيرُ ولدِ آدم، محمدٌ رسول الله، وزوج عمَّته شرُّ ولدِ آدم أبو لهب، وخالتي عائشةُ أمُّ المؤمنين، وخالتُه أشقَى الشقيات، وأنا عبد الله، وهو معاوية.


(١) في "العقد الفريد": أو لكففنا عن جوابه إجلالًا له، بدل قوله: وكلفناه.
(٢) في "العقد الفريد" ٤/ ١٦: لقطَّعتك.
(٣) في "العقد الفريد": لُججها.
(٤) في "العقد الفريد" بَهَزَتْكَ (أي: دفعتك).
(٥) في "العقد الفريد": وتمنّى ما أصبحتَ فيه من أمان.
(٦) لفظ "أباه" بين حاصرتين زيادة لضرورة السياق، وعبارة "العقد الفريد" ٤/ ١٦: وأن أباه أبا سفيان حارب .. إلخ.
(٧) يعني عُتبةَ بنَ ربيعة جدَّ معاوية لأمه هند.