للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال لهم الحسين : أخبروني خبر الناس. فقال له مُجمِّع بن عبد الله العائدي، وهو أحد النَّفَر الأربعة الذين جاؤوا: أمَّا أشرافُ الناس فهم أَلْبٌ واحد عليك (١)، قد أُعظمتْ رِشْوَتُهم، ومُلِئَتْ غَرائرُهم، وأما بقية الناس فإنَّ أفئدتَهم تهوي إليك، وسيوفَهم غدًا مشهورة عليك. فقال: خبِّرُوني، ما فُعلَ برسولي قيس [بن] مسهر الصيداوي؟ فقال: أخذه ابنُ زياد لمَّا بعث إليه الحُصين بن تميم، فأمره أن يلعنك ويلعن أباك، فصلَّى عليك وعلى أبيك، ولعنَه ولعن أباه، ودعاهم إلى نُصرتك، فألقي من القصر، فمات. فبكى الحسين وقال: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ﴾ الآية [الأحزاب: ٢٣] (٢).

وقال الطِّرمَّاح بنُ عديّ: إني لأنظر؛ ما أرى معك أحدًا، ولو لم يُقاتلْك إلا الذين معك وهم ملازموك لكان فيهم كفاية، كيف وقد جمع لك ابنُ زياد جمعًا لم أرَ مثلَه قطّ، فاعدِلْ بنا إلى جَبَلَي طيِّئ؛ أَجَأ وسَلْمَى، فإنَّا امتنَعْنا بهما من ملوك غسان وحِمْير، والنُّعمان وكسرى، ولا تمضي إلا عشرة أيام حتى آتيَك بعشرين ألفًا من طيِّئ يضربون بين يديك بأسيافهم، فلا يُوصَلُ إليك وفيهم عينٌ تَطْرِف. فجزاه خيرًا وقال: قد كان بيننا وبين هؤلاء كلام، ولسنا نقدر على الانصراف. ففارقه الطِّرمَّاح على أن يعودَ إليه.

وسار الحسين حتى نزلَ قصر بني مقاتل، وإذا بفسطاط مضروب، فقال الحسين : لمن هذا؟ فقيل: لعُبيد الله (٣) بن الحرّ الجُعْفي. فقال: ادْعُوه لي. فأتاه الرسول، فاستدعاه، فاسترجع (٤) وقال: ما خرجتُ من الكوفة إلا كراهية أن يدخلها الحسين وأنا بها، واللهِ ما أُريدُ أن أراه ولا يراني. وأبلغَه الرسول ما قال، فقام الحسين ، ومشى إليه، ودعاه إلى نُصرته، فقال مثل تلك المقالة، فقال الحسين : فإذا لم تنصرونا؛ فلا تُقاتلونا. فقال: أمَّا هذا فلا.


(١) أي: مجتمعون على عداوتك.
(٢) تاريخ الطبري ٥/ ٤٠٥. وينظر "طبقات ابن سعد" ٦/ ٤٣٥، و"أنساب الأشراف" ٢/ ٤٧٠.
(٣) في (ب) وخ): لعبد الله، والمثبت من "أنساب الأشراف" ٢/ ٤٧٦، و "تاريخ الطبري" ٥/ ٤٠٧.
(٤) أي قال: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.