للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قام الحسين فخرج وسار من قصر بني مقاتل، فلما كان آخرُ الليل، خفقَ رأسُه خَفقَةً، ثم انتبه وهو يقول: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون. فقال له عليّ ابنُه: مالك يا أَبَهْ؟! فقال: يا بُنيّ، إنِّي خفقتُ رأسي (١) خفقةً؛ وإذا بفارس يسايرُني على فرس ويقول: القوم يسيرون والمنايا تسيرُ إليهم. فعلمتُ أنه نعى نفوسَنا إلينا. فقال: يا أَبَهْ، أَلسنا على الحقّ؟! قال: بلى. قال: فإذًا لا نُبالي بالموت مُحِقِّين. فجزاه خيرًا.

وسار الحسين حتى نزل نِينَوَى (٢) على شطّ الفُرات، وإذا براكب على نَجِيبٍ (٣) من ناحية الكوفة، ومعه كتابٌ من ابنِ زياد إلى الحرّ، ففتحه، وفيه: أمَّا بعد، فجَعْجِعْ بالحسين (٤)، ولا تُنْزِلْه إلا بالعَراء في غير حصن، وعلى غير ماء. فقال الحرّ: هذا كتابُ الأمير، ورسولُه معي، فلا أُفارقُك حتى تنزلَ موضعًا امر (٥). فقال: ننزلُ نِينَوَى، أو بالغاضريَّة. فقال الحرّ: لا والله، إلى ها هنا. فقال له (٦) زهير بن القَين: واللهِ إني لأرى ما بعد هذا أشدَّ منه، فقتالُ هؤلاء أهونُ. فقال الحسين : ما أبدؤهم بقتالٍ حتى يَبْدَؤونا. فقال: سِرْ بنا إلى هذه القرية، فإن قاتلونا قاتلناهم. قال: وما يقال لها؟ قال: العَقْر. قال: أعوذ بالله من العَقْر.

ثم نزل بكربلاء يوم الخميس ثاني المحرَّم.

ذكر إرسال ابنِ زياد عُمَر بنَ سعد بن أبي وقَّاص إلى الحسين :

وجَّه ابنُ زياد عمرَ (٧) بن سعد إلى الحسين في أربعة آلاف، وكان قد استعمله قبل ذلك على الرّيّ وهَمَذان، فقطع ذلك البعث معه، فلما أمره بالمسير إلى الحسين


(١) في "تاريخ الطبري" ٥/ ٤٠٧: برأسي. وينظر "أنساب الأشراف" ٢/ ٤٧٧.
(٢) ناحية بسواد الكوفة، منها كربلاء. "معجم البلدان" ٥/ ٣٣٩.
(٣) أي: ناقة، يقال: ناقة نجيب ونجيبة. ينظر "القاموس".
(٤) أي: أزْعِجْه وشرِّده. وينظر "أنساب الأشراف" ٢/ ٤٧٧، و "تاريخ الطبري" ٥/ ٤٠٨.
(٥) كذا في (ب) و (خ) ولعلها محرَّفة عن "آخر". والمعنى: أنه لن يدعهم ينزلوا منزلًا آخر.
(٦) يعني للحسين . وينظر "تاريخ الطبري" ٥/ ٤٠٩.
(٧) في (ب) و (خ) (وفي كل المواضع التالية): عمرو. وهو خطأ.