للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر ابن سعد بإسناده عن ابن عباس قال: ولد نوح ولأبيه ثمانون سنة، فأقام يدعوهم إلى الله مئة وعشرين سنة، وركب في السَّفينة وهو ابن ست مئة سنة، ثم مكث بعد ذلك ثلاث مئة وخمسين سنة (١).

وروى الثعلبي عن مقاتل أنه قال: بُعث نوح بعد مئة سنة، وركب السفينة وهو ابن ست مئة سنة، وعاش ألفًا وخمسين سنة.

قلت: والأصحُّ أنه أقام فيهم داعيًا إلى الله تعالى ألف سنة إلَّا خمسين عامًا، كما ذكر الله تعالى.

وقال مجاهد: لما طال عليه أمرهم، واشتدَّ تجبُّرهم، دعا عليهم وسأل الله إهلاكهم، فأوحى الله إليه ﴿أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إلا مَنْ قَدْ آمَنَ﴾ [هود: ٣٦].

وقال الرَّبيع: ما دعا عليهم إلّا بعد أن أيأسه الله من إيمانهم بهذه الآية، وهي قوله: ﴿لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إلا مَنْ قَدْ آمَنَ﴾ والأنبياء لا يفعلون شيئًا إلا بالوحي ﴿فَقَال الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إلا بَشَرًا مِثْلَنَا﴾ أي: آدميًّا ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا﴾ أي: سفلتنا، قال ابن مسعود: قيل: إنهم الحاكة. فلمّا جادلوه وأطالوا الخطاب أخبره الله تعالى أنه مهلكهم. فقال: ﴿فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [هود: ٣٦] فحينئذ قال: ﴿لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ [نوح: ٢٦].

قوله تعالى: ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا﴾ [هود: ٣٧] لآية. الفلك: السفينة.

واختلفوا في معنى قوله: ﴿بِأَعْيُنِنَا﴾ على أقوال:

أحدها: بمرأىً منَّا، قاله ابن عباس. والثاني: بمنظر منا (٢). قاله الضحاك.

والثالث: بعلمنا، قاله مقاتل. والرابع: بحفظنا ووحينا، قاله الرَّبيع (٣).

وقال ابن عباس: لم يكن يعلم كيف يصنعُ الفلك، فأوحى الله إليه أن اصنعها مثلَ


(١) "الطبقات الكبرى" ١/ ٤٠ - ٤١.
(٢) ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ٨/ ٩٣، عند قوله تعالى: ﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (١٣) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾ [القمر: ١٣، ١٤].
(٣) انظر "زاد المسير" ٤/ ١٠١.