للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما وصلت الجمال؛ كسروا باب الحبس وركبوها، وخرجوا يطلبونه، فوجدوه قد تقدَّمهم، فساروا خلفَه.

وقدم على يزيدَ بن معاوية، فرحَّب به وأكرمه وأدنى مجلسه، وعاتبه على تقصيره في أشياء كان يأمرُه بها في ابن الزبير، فلا يُنفذ منها إلا ما أراد، فقال له: الشاهد يرى ما لا يرى الغائب، وإنَّ جُلَّ أهل الحجاز قد مالوا إليه وبايعوه سرًّا وعلانية، وأعطَوْه الرِّضى، ولم يكن معي من الجند ما أتقوَّى بهم عليه لو ناهصتُه، وقد كان يحذر مني، وكنت أُدارِيه وألطف به لأتمكَّن منه، أو تلوح لي فرصة فأثبَ عليه، وقد بعثتَ الوليد، وسترى من خبره ما تعرفُ به مبالغتي [في أمرك] ومناصحتي لك.

فشكره يزيد وقال: أنت أصدقُ ممَّن رمى إليَّ عنك (١) هذه الأشياء، وحملني بها عليك، وأنت ممَّن أثقُ به وأرجو معونته، وأدَّخرُه لرأب الصَّدْع وكفاية الهمّ، وكشف النوازل العظام.

فقال له عَمرو: ما أرى أحدًا أولى بالقيام في (٢) مديد سلطانك وتوهين كيد عدوِّك مني. وأقام عمرٌو عنده.

وأما الوليد بن عتبة فوام أمرَ ابنِ الزبير؛ فلم يقدر لاحترازه وشدَّة امتناعه (٣).

وفيها خرج نَجْدةُ بنُ عامر الحنفي الحروريُّ باليمامة لمَا قُتل الحسين ، وكان على رأي الخوارج، وقام معه أهلُ اليمامة، وثار ابنُ الزبير بمكَّة.

وافترقَ الناس ثلاث فِرَق في الموقف، فكان الوليد بن عتبة بن أبي سفيان يُفيض من المُعَرَّف (٤) ويفيض معه عامة الناس، وابنُ الزبير واقف في أصحابه، ونجدة واقفٌ في أصحابة، ثم يفيض ابن الزبير بعد الوليد ويفيض نجدة بعد ابن الزبير.


(١) في (خ): إليك عنك، والمثبت من (ب). وفي "تاريخ الطبري" ٥/ ٤٧٩: ممَّن رقَّى هذه الأشياء عنك.
(٢) في (خ): من. والمثبت من (ب).
(٣) تاريخ الطبري ٥/ ٤٧٨ - ٤٧٩. وينظر "أنساب الأشراف" ٤/ ٣٥٤.
(٤) هو موضع الوقوف بعرفة. ينظر "معجم البلدان" ٥/ ١٥٤. وتحرفت اللفظة في (ب) و (خ) إلى: المغرب.