للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان نَجْدَةُ يلقَى ابنَ الزُّبير كثيرًا يتحدَّثان، حتى ظنَّ أكثرُ الناس أنه سيُبايعُه (١).

وفيها عزل يزيد الوليدَ بنَ عتبة عن الحجاز، وسببُه أنَّ ابن الزُّبير افتعل كتابًا على لسان أهل الحجاز إلى يزيد بن معاوية: أمَّا بعد، فإنَّك بعثتَ إلينا رجلًا أخرقَ، لا يتِّجه لأمر رَشَد، ولا يرعوي لِعظةِ الحليم، فلو بعثتَ إلينا رجلًا سهلَ الأخلاق، ليِّنَ الكَنَف؛ رَجَوْنا أنْ يتسهَّل من الأمور ما توعَّر منها، وأن يجمع ما تفرَّق، فانظر في ذلك، فإنَّ فيه صلاحَ خواصِّنا وعوامِّنا إن شاء الله تعالى.

فعزل الوليدَ، وولَّى عثمانَ بنَ محمد بن أبي سفيان، فقدم الحجاز حَدَثًا غِرًّا، لم يُحنّكه السّنّ، ولم تهذِّبه (٢) التجارب، ولم تضرِّسه (٣) الأمور، فكان لا يكاد ينظر في شيء من أمر السلطان، ولا من أمرِ العمل.

فأرسل عثمانُ جماعةً من أهل المدينة وافدين على يزيد، منهم عبد الله بن حنظلة الغسيل الأنصاري، وعبدُ الله بنُ أبي عَمرو بن حفص بن المغيرة المخزوميّ، والمنذر بن الزبير بن العوَّام، والمِسْوَر بنُ مَخْرمة، ورجالًا من أهل الشَّرَف، فلما دخلوا على يزيد أكرمهم، وأحسنَ إليهم، وأعظمَ جوائزَهم، فا نصرفوا من عنده، وقدموا كلُّهم المدينة إلا المنذرَ بنَ الزُّبير، فإنه قدم البصرة على عُبيد الله بن زياد، وكان يزيد قد أجازه بمئة ألف درهم. فلمَّا قدم أولئك النفر المدينة؛ أظهروا شتمَ يزيد وعيبه، وقالوا: إنّا (٤) قدمنا من عند رجل ليس له دين، يشربُ الخمر، ويعزف بالطنابير، وتعزف عنده القِيان، وإنَّا نشهدكم (٥) أننا قد خلعناه. فبايعهم (٦) الناس.


(١) تاريخ الطبري ٥/ ٤٧٩. وينظر "أنساب الأشراف"٤/ ٣٥٤.
(٢) رسم الكلمة في النسختين (ب) و (خ): تهدم، ولعل الصواب ما أثبتُّه إن شاء الله. فهو المناسب إلى رسمها.
(٣) في (ب) و (خ): ولا تضربه. وعبارة تاريخ الطبري ٥/ ٤٧٩ - ٤٨٠: فقدم فتى غرٌّ حَدَث غَمْر، لم يجرّب الأمور، ولم يحنكه السنّ، ولم تضرِّسه التجارب.
(٤) في (ب) و (خ): بما، بدل: إنّا، والمثبت من "تاريخ الطبري" ٥/ ٤٨٠.
(٥) في (ب) و (خ): أشهدكم، والمثبت من "تاريخ الطبري".
(٦) في المصدر السابق: فتابعهم.