للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان يزيد قد أجازَ عبد الله بنَ حنظلة بمئة ألف درهم، وكان معه ثمانية، فأجاز كلَّ واحد منهم بعَشَرَة آلاف درهم سوى الكسوة. فلما قدم المدينة سأل الناسُ عنه، فقال: واللهِ لقد أتيتُكم من عند رجل لو لم أجدْ غيرَ بنيَّ هؤلاء لجاهدتُه بهم. فقالوا: قد أعطاك ووصلك! فقال: واللهِ ما قبلتُ ذلك منه إلا لأتقوَّى به عليه (١).

ثم أظهر الباقون شتمه وعيبه، وقالوا: قدمنا من عند فاسق يشربُ الخمر، ويلعب بالطنابير والكلاب والقرود، وقد خلعناه كما خلعنا نِعالنا. فامتلأ المسجد بالنِّعال.

قال إبراهيم بن عبد الرحمن بن ربيعة المخزومي: لما وثبَ أهل المدينة ليالي الحرَّة، فأخرجوا بني أمية عن المدينة وأظهروا عيب يزيد بن معاوية وخلافه، أجمعوا على عبد الله بن حنظلة، وأسندوا أمرهم إليه، فبايعهم على الموت وقال: يا قوم اتقوا الله، فواللهِ ما خرَجْنا على يزيد حتى خِفْنا أن نُرْمَى بالحجارة من السماء، إنَّ رجلًا ينكح الأمهات والبنات والأَخَوات، ويشرب الخمر، ويدع الصلاة، لحقيقٌ بالقتال والقتل. واللهِ لو لم يكن أحدٌ من الناس لأبليتُ للهِ فيه بلاءً حسنًا. فتواثب الناسُ يومئذٍ يُبايعون من كل النواحي.

وما كان لعبد الله بن حنظلة تلك الليالي مبيت إلا في المسجد، وما كان يزيدُ على شَرْبةٍ من سَوِيق (٢)، يُفطر عليها إلى مثلها من الغد يؤتى بها في المسجد، وكان يصومُ الدهر، وما رُئيَ رافعًا رأسه إلى السماء حياءً من الله تعالى وإخْباتًا (٣).

وأما المنذر بن الزُّبير؛ فإنه أقام عند عُبيد الله بن زياد بالبصرة يُكرمه ويُحسن إليه، وكان صديقًا له.

فبينا هو عنده إذ جاء كتابُ يزيد بن معاوية -حين بلغه ما فعل ابنُ حنظلة والجماعة الذين كانوا معه- إلى ابن زياد يأمره أن يُوثِق المنذر بنَ الزبير وبحبسَه عنده حتى يأمرَ فيه بما يراه، فكره ابنُ زياد ذلك وكونه ضيفه، فأقرأَه كتابَ يزيد، وأخبرَه أنه كارهٌ لذلك، وقال له: قد أصبحتَ لي ضيفًا، وكنتَ وادًّا لأبي، [و] قد أسديتُ إليك


(١) تاريخ دمشق ٩/ ١٥٢ (مصورة داو البشير- ترجمة عبد الله بن حنظلة).
(٢) السَّوِيق: طعامٌ يتخذ من مدقوق الحنطة والشعير.
(٣) المصدر السابق ٩/ ١٥٣.