للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معروفًا، وأُحبُّ أنْ اتبعه بإحسان، فإذا اجتمع الناس عندي فسَلْني أن تلحقَ ببلادك، فإذا قلتُ: أقم عندنا فلك الكرامة، فقل: لي ضَيعة وشُغْل، ولابدَّ من انصرافي.

فلما اجتمع الناس قام فقال له ذلك، وقال له ابن زياد: أقم عندنا فلك الكرامة والمواساة، فقال: لا بدَّ لي من الانصراف. فأذِنَ له.

فقدم المدينة، فكان ممَّن يحرِّضُ الناسَ على يزيد ويقول: واللهِ لقد أجازني بمئة ألف درهم، وما يمنعني ما صنع أن أُخبركم بحاله، واللهِ إنه ليشربُ الخمر، ويسكر، ويدع الصلاة. وبلغ يزيدَ، فقال: اللهمَّ إني أكرمتُه وآثرتُه، ففعل وقال ما قد علمتَ، اللهمَّ فجازه على الكذب والقطيعة (١).

ذكر قدوم النعمان بن بشير المدينة:

ولما فعل أهل المدينة ما فعلوا قال يزيد للنعمان: ائتِ عِدادَ الناس ثم قومَك (٢)، فائتهم فافْثَأْهُم (٣) عمَّا هم فيه وما يريدون، فإنَّ قومك إنْ لم ينهضُوا في هذا الأمر لم يتجاسر أحد على خلافي، وبها من عشيرتي من لا أوثر أن ينهض في هذه الفتنة فيهلك. فادْعُهم إلى الطاعة وخوِّفهم الفتنة والفرقة وسفك الدماء.

فقدم النعمان المدينة، فدعا قومه، وخوّفهم الفتتة وقال: لا طاقة لنا بأهل الشام، وإنما أنا رجلٌ منكم. فقال له عبد الله بنُ مطيع العدويُّ: ما يحملك يا نعمان على تفريق جماعتنا وإفسادِ ما أصلحَ اللهُ من أمرنا؟! فقال له النعمان: أما واللهِ لكأني بك إذا أقبلت الرجال تضربُ مفارق القوم وجباههم بالسيوف، وقد دارَتْ رحى المنون بين الفريقين؛ قد هربتَ على بغلتك تضرب جنبيها إلى مكة، وخلَّفْتَ هؤلاء المساكين -يعني الأنصار- يُقتلون في سككها وعلى أبواب دورهم وفي مساجدهم. فكان كما قال. وانصرف النعمان إلى يزيد فأخبره الخبر (٤).


(١) تاريخ الطبري ٥/ ٤٨٠ - ٤٨١. وينظر "أنساب الأشراف" ٤/ ٣٥٧.
(٢) عبارة أنساب الأشراف: إن عدد الناس في المدينة الأنصار، وهم قومك وعبارة الطبري: ائتِ الناس وقومك إلخ.
(٣) في (ب) و (خ): فالقهم. والمثبت من المصدرين السابقين.
(٤) أنساب الأشراف ٤/ ٣٥٧، وتاريخ الطبري ٥/ ٤٨١.