للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المدينة بإخراج عامل يزيد (١).

ولما بلغ يزيد ذلك لبس ثيابًا معصفرة، وجلس في بيته وقال:

أبْلِغْ أبا بكر إذا الليلُ سَرَى … وهبطَ القومُ على وادي القُرَى

أجَمْعَ سَكْرانَ من القوم ترى … يا عجبًا من مُلحدٍ قد افترى

فلما قدمت بنو أمية على مسلم بوادي القُرى، قال لهم: أشِيرُوا عليَّ. فسكتوا، فقال لعمرو بن عثمان: أشِرْ عليَّ فقال: لا أستطيع أن أخبرك شيئًا؛ أخذَ القومُ علينا العهود والمواثيق أن لا ندل على عورة، ولا نُظاهر عدوًّا. فانتهرَه وقال: لولا أنك ابنُ عثمان لقتلتك. فقال لعبد الملك: ماذا ترى؟ فقال له: انزل شرقيَّ المدينة، تأكل ثمارَها، وإذا قاتلوك تكون وجوهُهم في الشمس، وأنت في الظل، ثم قاتلهم، واستَعِنْ بالله عليهم، فإن الله ناصرُك عليهم؛ إذْ خلعوا طاعة الإمام، وفارقوا الجماعة. فقال له مسلم: للهِ دَرُّك (٢).

فقيل لعبد الملك: نقضتَ العهد. فقال: ﴿إِنَّهُمْ لَا أَيمَانَ لَهُمْ﴾.

ونزل شرقيَّ المدينة، وفعل ما قال عبد الملك، وركب مسلم فرسه، وجاء إلى المدينة، فوقف قريبًا منها، ونادى: يا أهل المدينة، إنَّ أمير المؤمنين يزيدَ يزعُم أنكم الأصل، وإنه يكره هراقة دمائكم، وإني قد أجَّلْتُكم ثلاثًا، فمن رجع إلى الحق قبلناه منه، وانصرفنا عنكم إلى هذا الملحد الذي في الحرم بمكة، وإنْ أبيتُم كنَّا قد أعذرنا إليكم.

وأقام ثلاثًا، فلمَّا مضت الثلاث قال: يا أهل المدينة، ماذا تصنعون؟ أتُسالمون، أم تحاربون؟ قالوا: نُحارب. قال: لا تفعلوا، ادخلوا في الطاعة، ونجعلُ حدَّنا وشوكتنا على هذا الملحد الذي في الحرم الذي قد جمعَ أكثر المرَّاق والفسَّاق من كل أوب. فقالوا: يا عدوَّ الله، واللهِ لو أردتُم أن تجوزوا إليهم لما تركناكم ندعكم أن تأتوا بيتَ الله فتُخيفوا أهلَه، وتستحلُّوا حُرْمَتَه، لا واللهِ لا نفعل.


(١) ينظر "أنساب الأشراف" ٤/ ٣٥٦.
(٢) تاريخ الطبري ٥/ ٤٨٦. وينظر " (أنساب الأشراف" ٤/ ٣٥٩ - ٣٦٠.