للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانوا قد خَنْدَقُوا عليهم، وانقسموا أربعةَ أرباع: عبد الله بنُ مطيع على رُبْع، ومعقل بنُ سنان الأشجعي على رُبْع، وعبد الرحمن بن أزهر (١) بن عبد عوف ابنُ عمّ عبد الرحمن الزُّهري على رُبْع، وكان عبد الله بن حنظلة أميرًا على الكلّ، وهو أكثرُهم عددًا (٢)، وأشدُّهم نكاية، وأحنقُهم على يزيد.

وأصبح مسلم بقرب من المدينة، والتَقَوا، فاقتتلوا، وضرب مسلمٌ فُسطاطه من ناحية المشرق، وبعث إليهم الخيل، فحمل ابنُ الغسيل في الرجال الذين معه، فكشفَ الخيل حتى وصلوا إلى مسلم بن عقبة، فنهض في وجوههم بالرجال، وصاح عليهم، واشتدَّ القتال، فقال الفضل بنُ العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب لعبد الله بن حنظلة: مُرْ مَنْ كان معك من الفرسان فليأتني حتى أبلغ مسلمًا، فإمَّا أن أقتله، أو أُقتل. فقال عبد الله بنُ حنظلة لعبد الله بن الضحاك من الأنصار: نادِ في الخيل فلتقف مع الفضل بن عبَّاس. فنادى فيهم، فاجتمعوا إلى الفضل، فقال لهم: احملوا. فحملوا على أهل الشام، فانكشفوا، وقصد الفضلُ رايةَ مسلم، فضرب حاملَها على رأسه وعليه المِغْفَر، فقطَعه، وفلقَ هامتَه، فقتله وهو يظنُّ أنه مسلم بنُ عقبة، فقال: خُذْها وأنا الفضل بن العبَّاس (٣). ثم قال: قتلتُ طاغيتَهم وربِّ الكعبة.

وكان مسلم ناحيةً عن الرَّاية في خمس مئة راجلٍ جُثاةً على الرّكَب، مُشْرِعي الأَسِنَّة، فناداه مسلم: أخطأَتْ اسْتُك الحُفَيرة. وإنّما كان حاملُ الراية بعض غلمانه يقال له: روميّ، وكان شجاعًا.

ثم أخذ مسلم الراية، ونادى: يا أهل الشام، ما هذا القتال؟ قوم يريدون أن يدفعوا عن دينهم وينصروا إمامهم، قبَّحه الله من قتال. واللهِ ما تستحقون العطاء، شُدُّوا مع هذه الراية.

ثم حمل والتقاه الفضلُ بنُ العباس وأصحابُه وقصده، وصار أهل الشام كلُّهم مع الراية، فقاتل الفضلُ حتى سقط، وما بينه وبين أطناب فسطاط مسلم إلا نحو من عشرة


(١) كذا في (ب) و (خ)، والأصل الخطي لـ المنتظم ٦/ ١٤ (كما في حواشيه). وفي "تاريخ الطبري" ٥/ ٤٨٧، و"الكامل" ٤/ ١١٥: زهير.
(٢) لفظ العبارة في "تاريخ الطبري" ٥/ ٤٨٧، والمنتظم ٦/ ١٤: وكان أميرُ جماعتهم عبدُ الله بن حنظلة الغسيل الأنصاري في أعظم تلك الأرباع وأكثرها عددًا. . . وينظر "أنساب الأشراف" ٤/ ٣٦١.
(٣) انقلب الاسم في (خ) و (ب)، فوقع فيهما: العباس بن الفضل. وعبارة الطبري: خُذْها مني وأنا ابنُ عبد المطَّلب.