واجتمعوا في منزل سُليمان، وكانوا من خيار أصحاب عليّ ﵇، فبدأ المسيَّب بن نَجَبَة بالكلام، فحمد اللهَ وأثْنَى عليه، وكان من جملة كلامه أن قال:
أمَّا بعد، فإنَّا قد ابتُلينا بطُول العُمر والفتن، فنرغب إلى الله تعالى أن لا يجعلنا ممَّن يقول له غدًا: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ﴾ [فاطر: ٣٧] فإن أمير المؤمنين قال: العُمر الذي أعذرَ اللهُ فيه إلى ابن آدم ستون سنة. وليس فينا رجل إلا وقد بلغَها، وقد ابتلانا اللهُ، فَوجَدَنَا كاذِبِين في نُصرة ابنِ بنتِ رسول الله ﷺ، فقد راسلناه وكاتبناه، ووعدناه نصرنا، ثم تخلَّينا عنه حتى قُتل إلى جانبنا، فلا نحن نصرناه بأيدينا، ولا خَذَّلْنا عنه بألسنتنا، ولا قويناه بأموالنا، ولا طلبنا له النصر من عشائرنا، فما عُذْرُنا عند ربِّنا وعند لقاء نبيِّنا ﷺ وقد قُتل بينَنا ولدُه وحبيبُه وذُرِّيتُه؟ لا والله، دون أن نَقتُل قاتليه والمؤلِّبين عليه، أو نُقتَل في طلب ذلك، عسى ربُّنا أن يرضى عنا، فولُّوا عليكم أيها القوم رجلًا منكم، فلا بدَّ من أميرٍ ترجعون إليه، ورايةٍ تحفُّون بها.
فقال له رِفاعة بن شدَّاد: إن الله قد هداك لأَصْوبِ القول، ودعوتَ إلى أرشد الأمور، وهو جهادُ الفاسقين، والتوبةُ من الذنب العظيم. وقلتَ: وَلُّوا أمركم رجلًا تفزعون إليه، فإنْ يكن أنتَ ذاك؛ تكن عندنا مَرْضيًّا، وإنْ رأيتَ ورأى أصحابُنا ولينا هذا الشيخَ أمرَ الشيعة، فإنه صاحبُ رسول الله ﷺ، وله السابقةُ والقِدَم -وأشار إلى سليمان بنِ صُرَد- فإنَّه المحمودُ في بأسِه ودِينه، الموثوقُ بحَزْمه.
وقال عبد الله بن والي وعبدُ الله بنُ سعد بنحو ما قال رِفاعة، فقال المسيَّب بن نَجَبَة: أصبتُم ووُفِّقتُم، وأنا أرى مثلَ ما رأيتُم، فولُّوا أمرَكم سليمانَ بنَ صُرَد.
فتكلَّم سليمان، وكان من جمل كلامه:
إنَّا كنَّا نمدُّ أعناقَنا إلى قدوم آلِ نبيِّنا ﷺ، ونُمنِّيهم النصر، فلما قدموا؛ وَنَيْنا عنهم، وتَرَبَّصنا عليهم، حتى قتل فينا وَلَدُ نبيِّنا ﷺ وسلالتُه وبَضعَة من لحمه ودمه، وجعل