للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال عبد الملك بن عمير: إن بشير بنَ سعد أبا النعمان لمَّا ولدَ النعمان؛ جاء به إلى رسول الله ، فحنَّكَه بيده، فقال: يا رسول الله، ادْعُ للهَ أن يُكْثِرَ ماله وولَدَه. فقال له: "أَما تَرضَى أن يعيشَ كما عاش خاله حميدًا، ويموت شهيدًا، ويقتله منافقٌ من أهل الشام" (١)؟.

والنعمان أوَّلُ مَن نصرَ عثمانَ رضوان الله عليه، وخرج بقميصه إلى الشام.

واستعملَه معاوية على الكوفة، وأمرَه أن يزيدَ في أعطياتهم عَشَرَةَ دنانير، فكان يعطي بعضًا ويمنعُ بعضًا ويقول: أنا قُفْلٌ، ومفتاحُه بالشام.

وكان يُكثر تلاوة القرآن على المنبر ويقول: إن فقدتُموني لم تجدوا أحدًا يحدثُكم عن رسول الله بعدي.

وشَكَوْه إلى معاوية، فكتب إليه: كَمِّلْ لهم أُعطياتِهم. فقال ابنُ همام السَّلُولي:

أفاطِمُ قد طال التَّدَلُّلُ والمَطْلُ … أجِدَّكِ (٢) لا صَرْمٌ جَلِيٌّ ولا وَصْلُ

زيادتُنا نعمانُ لا تَحْبِسَنَّها … تقِ (٣) اللهَ فينا والكتابَ الذي تتلُو

فإنك قد حُمِّلْتَ فينا أمانةً … وقد عجَزَتْ عنها الصلادِمَةُ (٤) البُزْلُ (٥)

فلا يكُ بابُ الشَّرِّ تُحسِنُ فَتْحَهُ … [علينا] وبابُ الخيرِ أنتَ له قُفْلُ

وقد نِلْتَ سلطانًا عظيمًا فلا يكنْ … لغيركَ جَمَّاتُ النَّدَى ولك البُخْلُ


(١) لفظ هذه الرواية ملفَّق من روايتين، الأولى: عن عبد الملك بن عُمير أنَّ بشير بن سعد جاء بالنعمان بن بشير إلى النبي ، فقال: يا رسول الله، ادْعُ لابني هذا، فقال له رسول الله : "أما ترضى أنْ يبلغ ما بلغتَ، ثم يأتي الشام، فيقتله منافق من أهل الشام؟ ". والرواية الثانية: عن عاصم بن عمر بن قتادة أنَّ عَمْرَةَ بنت رواحة جاءت تحمل ابنها النعمان في ليفِهِ إلى رسول الله ، فدعا بتمرة فمضغها، ثم حنّكه بها، فقالت: يا رسول الله، ادْعُ الله أن يُكثرَ ماله وولدَه. فقال: "أوَ ما تَرْضَينَ أن يعيشَ كما عاش خالُه؟ عاش حميدًا، وقُتل شهيدًا، ودخل الجنة]. أخرجهما ابن سعد في "الطبقات" ٥/ ٣٦٤ و ٣٦٥، وأخرجهما من طريقه ابن عساكر في "تاريخه" ١٧/ ٥٩٠ (مصورة دار البشير). وينظر "الاستيعاب" ص ٩٢٢ (ترجمة عمرة بنت رواحة).
(٢) في "القاموس" و"التاج" (جدد): أَجِدَّك، بفتح الجيم وكسرها، والكسر أفصح، أي: ما لكَ؟ أجِدًّا منك؟ فهذا كسر استحلفَه بجِدّه، وإذا فتح استحلفَه ببَخْتِه.
(٣) في "الأغاني" ١٦/ ٣١: خف.
(٤) الصِّلْدام: الصُّلب الحافر. ورواية "الأغاني": الصلاخمة، والصِّلْخام من الإبل: الصُّلْب الشديد.
(٥) البُزُل: جمع بازل، وهو الجملُ في تاسع سِنيِّه. (وتسكين الزاي لضرورة الشعر).