للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنتَ امرؤٌ حُلْوُ اللسانِ بليغُهُ … فما بالُهُ عند الزيادةِ لا يَحْلُو

وقبلك ما كانَتْ علينا أئمَّةٌ … يَهُمُّهُم تقويمُنا وهُم عَصْل (١)

يذْمُّون دُنْيانا وهم يرضعونَها … أفاوِيقَ حتى مالنا منهُمُ سَجْلُ (٢)

إذا نطقُوا بالقولِ قالُوا فأحسَنُوا … ولكنَّ حُسْنَ القولِ خالفَهُ الفعلُ (٣)

ولما عزلَ معاويةُ النعمانَ عن الكوفة ولَّاه حمصَ، فوفد عليه أعشى هَمْدَان، فقال: ما أقْدَمَك أبا المُصَبِّح؟ قال: لتَصِلَني وتقضي ديني. فقال: والله ما عندنا شيء. ثم صَعِدَ المنبر وقال: يا أهل حمص، أنتُم في الديوان عشرون ألفًا، وهذا ابنُ عمٍّ لكم من أهل القرآن والشرف؛ قدم عليكم يسترفدُكم، فما ترون فيه؟ فقالوا: أيها الأمير، احكم بما تراه. فقال: بل أنتم. فقالوا: قد جعلنا له من كل عطاء رجل منَّا دينارين معجَّلة من بيت المال. فدفعَ له أربعين ألف [دينار] معجَّلة، فقال الأعشى:

فلم أرَ للحاجات عند انكماشِها … كنعمانَ نُعمانِ النَّدى ابنِ بشيرِ

إذا قال أوْفى بالمقال ولم يكن … كَمُدْلٍ إلى الأقوام حَبلَ غُرورِ (٤)

يُعرِّضُ بمروان؛ لأنه قصده، فوعَدَه ومَطَلَهُ، فلمْ يلقَ منه خيرًا.

وقال الهيثم: أقام النعمان واليًا على الكوفة سبعة أشهر (٥)، ثم عاد إلى الشام.

ذكر مقتله:

لما بلغَ النعمانَ وهو بحمص مقتلُ الضَّحَّاك بالمَرْج؛ خرجَ هاربًا ليلًا ومعه امرأتُه نائلة ابنت عُمارة الكلبيَّة وولدُه، وثَقَلُه، فقصدَ زُفَر بن الحارث، فضلَّ عنِ الطريق، وطلبه عَمرو (٦) بن الخلي الكلاعي، -وكان النعمان قد حدَّه في الخمر- فقتلَه وأقبلَ


(١) جمع أَعْصَل، وهو المعوجُّ في صلابة.
(٢) الأفاويق جمع الفِيقة، وهو اللبن الذي يجتمع في الضَّرع بين الحَلْبَتَيْن، والسَّجْل هنا: النَّصيب.
(٣) الأبيات في "أنساب الأشراف" ٤/ ٢٠ - ٢١، وما بين حاصرتين منه، وهي بنحوها في "الأغاني" ١٦/ ٣١، وفيهما أبيات أخرى.
(٤) ينظر "الأغاني" ٦/ ٤٩ - ٥٠ و ١٦/ ٣٤، و"الاستيعاب" ص ٧٢٤، و"تاريخ دمشق" ١٧/ ٥٩١ - ٥٩٢ (مصورة دار البشير) أو "مختصره" ٢٦/ ١٦٢.
(٥) الاستيعاب ص ٧٢٤. وفي "تاريخ دمشق" ١٧/ ٥٨٦ و"الجرح والتعديل" ٨/ ٤٤٤: تسعة أشهر.
(٦) كذا في "أنساب الأشراف" ٥/ ٣١٧. وفي غيره من المصادر: خالد.