للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان له قرد يقال له: أبو قَيس، فكان اليوم الذي يصبح يزيد فيه مخمورًا يشدُّ القرد على فرسه يُسرِجُه بحبال من إبْرَيَسْم، والناس يمشون بين يديه، ومواكب الملك تُقاد بين يديه.

وكان ينادم هذا القرد، وكان يسقيه الخمر، ويُلبسه الأقبية الصُّفْر والحُمْر، وقَلانِس الذهب.

وكان يُسابق بين الخيل والقردُ عليها، وأركبَ القرد على أتان وحشيَّة، وأرسلَها في الحلبة، فقال يزيد:

تَمَسَّكْ أبا قيسٍ إذا ما ركبتَها … فليس عليها إنْ هلكتَ ضمانُ

فقد سَبَقَتْ خيلَ الجماعةِ كلَّها … وخيلَ أميرِ المؤمنين أتانُ (١)

فسبقت الأتانُ الوحشية [الخيلَ] (٢) كلَّها، وسقطت ميتة، ومات أبو قيس معها، فحزن عليه يزيد، وكفَّنَه ودفَنه، وأمر أهلَ الشام أن يُعزُّوه فيه وقال يزيد في ذلك:

لم يبق قرد (٣) كريم ذو محافظة … إلا أتانا يعزِّي في أبي قيسِ

شيخ العشيرة أمضاها وأحملها … له المساعي مع القربوس والدِّيسِ

يد الجياد على وحشية سبقت … ثم انثنى وعمود الموت في الكيسِ

لا يُبعدُ اللهُ قبرًا أنت ساكنُه … فيه الكمال وفيه لحيةُ التَّيسِ

وجاء نعي معاوية إلى يزيد وهو بحُوَّارين يتصيَّد، فلم يأتِ منزَلَه حتى أتى قبر القرد فترحَّم عليه.

وكان يشربُ الخمر مع القرد، ويحمله ويقول: هذا شيخ من بني إسرائيل أصاب خطيئة فمُسخ (٤).

وكان مُغْرًى بشرب الخمر مكثرًا منه، وهو القائل:

أقولُ لصحبٍ جمَّع الكأسُ شملَهمْ … وداعي صبابات الهوى يترنَّمُ


(١) الخبر والشعر بنحوه في "أنساب الأشراف"٤/ ٣١٧ - ٣١٨. وينظر "مروج الذهب" ٥/ ١٥٧ - ١٥٨.
(٢) زدتُ لفظة "الخيل" من قِبلي لضرورة السياق.
(٣) في "فوات الوفيات" ٤/ ٣٣٠: قَرْم.
(٤) ينظر "أنساب الأشراف" ٤/ ٣١٨.