للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خُذُوا ما صفا من عيشنا قبلَ فَوْتِهِ … فكلٌّ وإنْ طال المدى يتصرَّمُ

ألا إنَّ أَهْنَا العيشِ ما سَمحَتْ به … صروفُ الليالي والحوادثُ نُوَّمُ

ولا تتركوا يومَ السرورِ إلى غدٍ … فرُبَّ غدٍ يأتي بما ليس نعلمُ (١)

وحكى البلاذُري (٢) أنَّ سبب وفاة يزيد أنه حملَ قِرْدَةً على أتان وهو سكران، ثم ركض خلفها، فسقط يزيد، فاندقَّت عنقه، أو سقط من جوفه شيء فمات.

وقال الهيثم: ما همَّ يزيدُ بشيء من القُبح إلا ارتكبه، ولم يحجَّ في خلافته شُغلًا بما كان فيه من اللهو.

ولما جهَّز يزيد مسلم بنَ عُقبة لقتال أهل المدينة وابنِ الزبير؛ أعجبه ذلك الجيش، فكتب إلى ابن الزبير:

اُدْعُو إلهك في السماء فإنَّني … أَدْعُو إليك رجال عَكَّ وأشْعرِ

كيف النجاةُ أبا خُبيبٍ منهمُ … فاحْتَلْ لنفسك قبل مأْتَى العسكرِ (٣)

فكتب إليه ابنُ الزبير: أتستهزئُ بإلهي الذي في السماء؟! وأنت يزيد القرود، ويزيد الصيود، ويزيد الخمور، ويزيد الفسوق .. وعدَّد أفعاله.

فكتب إليه يزيد وقال:

لقد عبتَ ما لا عيبَ فيه على الفتى … من الصيد واللذَّات والأكلِ والشُّربِ

ولكنَّما العارُ الشَّنَار الذي به … يُعيّر خلق الله في الشرق والغرب

صيانة كف المرء عن بذلِ مالِهِ … عن الطارق الملهوفِ والجارِ ذي الجَنْبِ

فسار يزيد إلى نخل (٤) ابن الزبير، ومات يزيد عقب وصول كتابه إلى ابن الزبير .

وكان يزيد قد عزم على الحجّ ويدخل اليمن، فقال رجل من تنوخ:


(١) ينظر "فوات الوفيات" ٤/ ٣٣١، وفيه زيادة أبيات. وينظر أيضًا "تمام المتون في شرح ابن زيدون" ص ٨٢.
(٢) في "أنساب الأشراف" ٤/ ٣١٨.
(٣) البيتان في "أنساب الأشراف" ٤/ ٣٦٠ و"مروج الذهب" ٥/ ١٦٢. وفي صدر البيت الأول نظر، ويُستبعد أن يقوله يزيد، وقد نُسب إليه ما لم يقله. قال البلاذُري: والشاميون يقولون: إنما قال: اجْمَعْ رجال الأَبْطَحَينِ فإنَّني أدعُو إليك الخ.
(٤) كذا في (خ)، وليس في هذا الموضع نسخة أخرى.